وارد الان .. رواية يناديها عائش الفصل الخامس والتسعون 95 بقلم نرمينا راضي _ زوايا سبورت

من خلال موقع زوايا سبورت تستعرض معكم في هذا المقال ،رواية يناديها عائش الفصل الخامس والتسعون 95 بقلم نرمينا راضي ، لمزيد من التفاصيل حول المقال تابع القراءة
رواية يناديها عائش الفصل الخامس والتسعون 95 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش البارت الخامس والتسعون
رواية يناديها عائش الجزء الخامس والتسعون
رواية يناديها عائش الحلقة الخامسة والتسعون
” اللهم يا ذا الجلال و الإكرام يا ذا المن والعطاء انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم ارفع لهم الرايات وعزز لهم القوات و اجعلهم لنا قدوات، اللهم إنا نسألك أن تكون مع المرابطين والمجاهدين في كل مكان اللهم انصرهم نصرًا عزيزًا يا عزيز اللهم انصرهم نصرًا مظفرًا يا كريم يا رحيم ”
_____________________.
” يكفيني من هذهِ الدُنيا على سِعتها أنني حصلت عليكِ “.
~~~~~~~~~~~~~~~.
و بعد جفاءٍ و مُعاناة، و بعد آلام و مآسي الحياة، آن للقلبين أن يلتقيا، و آن للروح أن تستقيم في مسارها لهوى الروح، و تُزيل كل الشوائب التي ساهمت الندوب في جعلها جروح، فبرغم ما تقدمه الحياة من صفعات متتالية للمرء؛ إلا أنها في وسط تلك الصفعات، تُهدي لك شخصًا على هيئة بوصلة النجاة من تيِّه و مشاق الدُنىٰ.
هكذا هي الحياة، لن تستطيع النجاة منها بسهولة، إلا بندوبٍ و جروحٍ و دروسٍ، و مَن كُنت تحسبه الملاذ الآمن، يُصبح هو سبب ألمك و كسرتك و حُزنك، و من كُنت تظنه غريبًا، فجأة يُصبح أقرب المقربين.. الجميع لابد أن يتذوق طعم الحياة، و لا أحد يجدها حُلوة دائمًا أو مُرَّة دائمًا، إنَّما هي مَزيجٌ بين هذا و ذاك، خليطٌ بين السُكر و الحامض، فمن تَعِبَ اليوم أدرك مفاز الغد، و تلك الفتاة « رحمة» صفعتها الدنيا بدون رحمة، و تلاعبت بها الدروب منذ نعومة أظافرها، فلم تجد في رحلة الحياة أي حُلو يجبرها على العيش، و لكن الله حباها بقوة الصبر الذي جعلها تواجه أي كارثة حتمية بدون خوفٍ و بدون ضعفٍ، و فرَّت من الألم بجدارة لتواجه كل عائقٍ يعيق طريقها، مع أنّ الحُزن لم يتركها ساعةً بدون زيارة، لكنها لم تظهر ضعفها الكامن بقلبها الرقيق أمام أحد، كانت قوية مثابرة صابرة و ما زالت كذلك، بالرغم من أنها سريعة البكاء، لكنها قوية.
تحررت من بين ذراعيه أخيرًا بعد عناقٍ دام لدقائق، كانت هي بحاجة ماسة له، أما هو لم يكتف من عناقها، و تجرأ ليأخذها ثانيةً في موجة هائلة من المشاعر الفياضة الصادقة، فضمَّها إليه يَبُثُ تأسُّفه لها أيّما بثٍ، و كأنه أيضًا كان في مَسيس الحاجة للارتواء من رائحة قلبها النقي الطاهر، ففرض سيطرةً مملوءةً بالحنان المسبوق بالاسْتِحْكام المُحكم لمنتصف ظهرها الذي اختفى لضعفه بين ساعديه القويان، بينما هي دفنت رأسها في مَنْكِبه تاركة العنان لدموعها، و بِدَوره هو مسَّد على رأسها حتى غاصت أنامله في شعرها، فاكتشف مكان رسمة القلب الصغير المكسور خلف عُنقها دون حاجته لرؤيته، فكأنما أنامله اكتشفت المسار تجاه القلب و حفظته عن ظهر قلبٍ دون أن تدري هي ذلك، ثُم طَفِقَ مَوْضِعًا عليه و أخذ يُداعبه بِرقة، هامسًا بنفسٍ ساخنٍ ذَوَّب وجنتيها معه؛ فاتقدت و تَخضَّبت تَخضيبًا:
” أنا جيت عشان أكمل القلب ده، من النهاردة إحنا قلب واحد و روح واحدة، و أنتِ روح الروح ”
أبعدت رأسها عن كتفه، و ظلت في مواجهة وجهه لدقيقةٍ كاملةٍ تغوص بعينيها في عينيه اللتان لأول مرةٍ تلمس فيهما مشاعر الحُب الصادقة تجاهها، فرفعت يدها من على كتفه الأيسر و وضعتها على خده تُداعب بإبهامها وجنته، لترفع له تلك الغُرَّة السوداء السميكة التي تحجب نصف تعابير وجهه، فتتضح مشاعره أكثر و يتجلى الندم و الأسف واضحًا في تلك العينين الزرقاوين التي تحوي الكثير من الغموض، و في تلك الثوانٍ التي نظرت فيها، تحولت للوضوح تمامًا، و لم تجد بهما سوى انعكاس صورتها فيهما، صورتها هي فقط.. لا غدر، لا كُره، لا نفور، لا كذب، فقط الحُب الحقيقي هو من فرض سيادته تلك الليلة.
لأول مرة يشعر أزرق العينين الداهية الماكر، بأنه محاط في مَصْيَدةٍ، و تلك الدمية صغيرة الملامح هي من تتحكم به و بمفتاح المَصْيَدة.. وجد نفسه فجأةً ينجرف خلف مشاعر جديدة لأول مرة يشعر بها، لم يسبق له و أن خاض تجربة الحُب، لم يسبق له و أن وقع في الغرام، و الآن ها هو قلبه يلهث لنيل العفو و طلب السماح منها.. لفَّ وجهه بخفةٍ يلثم قُبلة دافئة في راحة يدها التي تداعب وجهه، ثُم لفَّ وجهه ناحيتها ثانية، و همس:
” آسف ”
” و قلبي اللي اتوجع ؟! ”
” أنا أداويه ”
” و نَفَسي اللي اتقطع ؟! ”
” أنا طبيب ليه ”
” و عيوني اللي كُتر البُكىٰ كان ها يخليها تتخلع ؟! ”
” اومال أنا جيت ليه ! ”
قالها، و حرر يدًا من يده التي تحيط ظهرها، ثُم استعمل ابهامه لتمريره على شفتيها اللتان اتضح أثر رجفة البُكاء عليهما، و تابع الهمس اللذي تمكن من حباله الصوتية في ليلتهما تلك:
” آسف، سامحيني ”
هبطت الدموع التي ظلت لدقائق مجتمعة في عينيها، و بادلته الهمس وهي تُبعد أنامله عن شفتيها:
” أنا بحبك، بس مش بسهولة اسامحك، أنا اتوجعت أوي يا قُصي، اتوجعت من كُل حاجة.. مش عارفة إذا كان حُبك ليا شفقة ولا حُب حقيقي، لأني حقيقي تايهة و محتارة، و مش عاوزة أفضل معاك و في نفس الوقت مش قادرة أبعد ”
” متبعديش، خدي حقك بالطريقة اللي ترضيكِ، بس متبعديش، أنا أول مرة أحس بمشاعر الحُب يا منة.. أول مرة قلبي يحب، و مش بفهم في الحب ولا بعرف أقول كلام حُب، بس بعرف أقول اللي حاسس بيه، و أنا قلبي سامعه بيهمس لي دلوقت، بيقول إنه ها يقف لو بعدتِ عنه، ها يموت يا منة.. ”
صمت لثوانٍ يتنهد بأنفاسه الساخنة، ليُتابع باستسلامٍ لها تمامًا:
” علميني الحُب، علميني كل اللي أنتِ عاوزاني أتعلمه، بس ما تبعديش.. اعتبريني ما تربتش و ربيني ”
” أنت فعلًا ما اتربتش ”
قالتها بعفويةٍ منها و من بين دموعها، فبدت أشبه بمالكة لحس فكاهي ممتاز، مما تبسم من قولها و أردف يؤكد عليه:
” عارف، أنا فعلًا ما اتربتش و عاوزك أنتِ اللي تربيني ”
تأملته للحظاتٍ بنظراتٍ خبيثة، ثُم مسحت دموعها و قالت بثباتٍ تتوعده بداخلها:
” هَـربيك يا قُصي ”
رغم استطاعته قراءة لغة الجسد، لكنه لم يستطِع قراءة لغة عينيها، ماذا تنوي فعله و بماذا تُفكر الآن.. لم يستطِع استنتاج شيء من نظراتها التي تنوعت ما بين الخُبث و الحُب !
قال بنظراتٍ أشد مكرًا من نظراتها:
” ” بلاش تفكري في البُعد، عشان أنا مش نَص في كتاب تقدري تستغني عنه بسهولة ”
ثُم شَدَّدَ من التفاف ذراعيه حول خصرها، حينما حاولت الانفلات منه، و رفع كفه يحيط عُنقها بحنانٍ امتزج بالقسوة، ليجذبه منه فتصبح شفتيه بمحاذاة أذنها يهمس فيها بهمسٍ أقرب لفحيح الأفعى:
” أنا الفكرة نفسها.. انسي إنك تمحيني ”
ابتسامة ساخرة نمت جانب شفتيها قائلةً:
” مغرور ”
” تؤ، واثق.. واثق في حُبك ليا ”
اكتفت بالابتسامة الساخرة التي لم تتركها منذ دقائق، و حاولت الافلات منه و بالمحاولة اِنْسَلَّتْ لِمَلاَسَتِهَا و تَخَلَّصَت من ساعديه القويان أخيرًا، لتتساءل بنبرة أشبه للهروب منه؛ كيلا تقع في فخ ملامحه الجذابة فتتراجع عن قرارها:
” عملت فيه إيه ؟ ”
لم يكن السؤال سوى عن والدها، فتأفف هو بمللٍ بنية الهروب من سؤالها، و أردف يحاول تغيير الموضوع:
” على فكرة أنا بعت اللوكيشن بتاع عربيتك لرحيم، وهو ها يروح ياخدها عندهم، و أبقى أجيبها لك أنا في أي وقت ”
” عملت فيه إيه يا قُصي ؟ ”
” أنتِ كُنتِ ناوية تعملي فيه إيه ؟ ”
تنهّدت بصعوبة، و قالت:
” أخلص عليه ”
” و أنا خلصت لك عليه ”
” ازاي ؟! ”
تساءلت بلهفةٍ، فأجاب بلا مبالاةٍ:
” مش شغلك بقى، المهم إني خدت لك حقك ”
في تلك اللحظة، امتد ضوء قوي لكشافات تابعة
لسيارتَيْن تَجِيئِينَ وراء بعضهما ذات نوعية الجيب، ترجل من السيارة الأولى الضابط
” كريم ” و اللواء ” عزمي “، و الثانية ثلاثة من الجنود العساكر للجيش، اضطروا لأخذ سيارة عادية و ليست سيارة خاصة بالجيش؛ حتى لا ينكشف الأمر الذي جاءوا من أجله جميعًا.
صدرت من ” قُصي ” ضحكة استهزاء تبعها بقوله:
” يا هلا يا هلا ”
ثُم أشار لـ ” منة ” من خلفه بلهجة آمرة:
” اركبي العربية و متنزليش منها ”
” في إيه ؟! ”
تساءلت بها بدهشةٍ و ارتباكٍ، فقال ببرودٍ وهو يتابعهم بنظراته الجامدة:
” مجرد تحقيق سخيف، ما تشغليش أنتِ بالك بس و أنا هخلص الحوار ده و اجي.. يلا اركبي ”
فتح لها باب السيارة، و أجلسها على المقعد برفقٍ رغمًا عنها، ثُم استدار ليواجه خاله الذي صاح عليه بضجرٍ منه:
” أنت جرا لعقلك إيــه ؟! ازاي تعمل كده ؟! ”
” يستاهل اكتر من كده ”
رد بها “قُصي” في فُتُورٍ جعله يستشيط غضبًا عليه، فهتف وهو يحرك يده في الهواءٍ حركاتٍ عشوائية، دلالة على الغيظ و الاستياء منه:
” أنت فاكر نفسك في غابة ! إيــه ! البلد دي ملهاش قانون ولا إيــه ؟! ”
ظل يتابع خاله بنظراتٍ فاترةٍ، ليستطرد الأخير صياحه الغاضب عليه:
” ده بني آدم.. مينفعش.. مينفعش اللي عملته ده ! سواء بني آدم أو حيوان مينفعش، دي روح يا بني، أنت مين عشان تحرق بالنار ! ما بيحرقش الناس غير الصهاينة، عاوز تبقى زيهم ؟! طب ما كنت اقتله يا عم و ريحنا، ليه الحرق.. ليــه ؟! ”
فلت منه زمام الأمر و فشل في التحكم في أعصابه، فهتف يصيح بغضبٍ عارمٍ هو الآخر:
” و ربي المعبود لو اقدر احرقه و اسيح جلده تاني و تالت و عاشر، لاعملها و ما حد يقدر يمنعني، و أي أب عمل في بنته كده يستاهل الحرق ”
رد ” كريم ” وهو يقترب منه ليحاول تهدئته، فهو يعلم أن “قُصي” إذا اشتد غضبه لن يستطيع الهدوء بسهولة، و هو يشترك معه في تلك الصفة، لذلك الحل الآن هو السعي لتهدئته و ليس للوقوف أمامه في نقاشٍ حاد:
” اهدى، عزمي باشا خايف عليك تتحط في مسائلة قانونية، و غير كده يا قُصي لا يعذب بالنار إلاَّ رب النار.. تصرفك مش في محله و مكنش المفروض تعمل كده، أنا قولت لك سيب لي الموضوع و أنا اخلصه ”
رمقه باستخفافٍ، و رد بعدم رضا لهما:
” هو ده اللي فارق معاكم ! إني حرقته بالنار ! ”
كانت ” منة ” في تلك اللحظة تستمع لهم من زجاج السيارة الذي انزلته، فشهقت بصدمةٍ واضعة يدها على فمها بعدم استيعابٍ لما فعله “قُصي”، و هبطت من السيارة لتقف بجانبه تشده من يده كي يميل برأسه عليها، و همست له:
” مكنتش عايزاك تعمل كده ”
تأملها بصمتٍ، فهو يدرك أن قلبها الطيب هو من يتحكم بها، و لو كان تركها لحال سبيلها، لما استطاعت فعل أي شيء؛ لذا تصرف هو بدلًا منها و بالطريقة التي تناسب شخصيته الغير مبالية بأي أحد.. رفع أنامله يضغط على ذقنها برِقةٍ، ثُم قال:
” أنا اللي هشيل الليلة و أنا اللي هتحاسب، وهو يستاهل اكتر من كده ”
و التفت لكريم و لخاله هاتفًا بغضبٍ:
” تخيلوا لو حد من أهل بيتكم اللي اتعمل فيه كده ! لما تكون طفلة عشر سنين شايفة إن أبوها ده هو الأمان و السند، و فجأة الأمان ده يتقلب لبركة غدر و طعن في الضهر، فيقوم الأب المحترم اللي المفروض يبقى السند و الضهر لبنته، يقوم يقدمها وجبة عشاء لصحابه الخمورجية يعتدوا عليها جنسيًا ! طفلة ما تعرفش يعني إيه جنس أصلًا و يحصل فيها كده ! أنتم ها يبقى رد فعلكم إيه ؟! أقسم بالله ساعتها ما هتفكروا في حلال و لا حرام، لو عرضك اغُتصب ها تبقى عاوز تولع في الدنيا كلها باللي فيها مش في المغتصب بس، كل اللي شايفني غلطان و ازاي اعمل كده و ازاي احرق، بيتكلموا و ايدهم في الميه الباردة، و اللي ايده في الميه الباردة مش زي اللي ايده في النار، و البنت دي اتحطت في النار من صغرها و اللي عمل كده أبوها، أبوها اللي سمعها بتصرخ من جوا الاوضة و صاحبه الـ * بيعتدي عليها وهو كل همه يكسب في الكوتشينه ! * ! ده * لأي حد يقولي مكنش ينفع تعمل كده.. أنتم بس جربوا كده ستاتكم يتم الاعتداء عليهم و وروني ها يبقى إيه رد فعلكم.. رحمة ما اترحمتش من أبوها عشان كده أنا ما رحمتوش، و رغم إني معرفش حرمانية الحرق بالنار و لسه سامعه منكم دلوقت، بس و ربي المعبود أنا مش حاسس بذرة ندم..
و أنا اللي ها تحاسب، فياريت كل واحد عنده كلمة يحطها في بوقه.. أيًا كان مين، دي مراتي و محدش حاسس بالدم اللي بيغلي جوايا غيري، فبلاش توصلوني لمرحلة أقول الهي يارب اللي يعترض على اللي عملته في أبوها يشوفه في عرضه.. عشان لو مراتك أو اختك أو بنتك أو حتى امك اتهتك عرضها و اغُتصبت، الكل ساعتها ها يعذرني، أنتم بس بتتكلموا من ورا الستارة عشان كده بتتكلموا بقلب جامد.. ”
سكت برهة يأخذ أنفاسه التي التهبت و اشتعلت بنار الغضب، بينما ” منة ” توارت خلفه تدس رأسها في ظهره بخجلٍ من كريم و اللواء، و أخذت تبكي في صمتٍ هو وحده من شعر بها، ثُم استرسل حديثه بهدوء تلك المرة عكس الغليان بداخله:
” اللي زاد الطين بلة إنه مش بس صاحب أبوها الخنزير اعتدى عليها، و أبوها بعد ما صاحبه خلص.. خد دوره هو كمان، عرفتم بقى أنا ليه شويته على النار زي الخروف ! ولو اللي أنا عملته ده مش مبرر، فأنا ميهمنيش شكلي ايه قدامكم..
* ليكم كلكم و لأي حد يعترض ”
لم تتمكن ” منة ” من ذِكر ذلك الأمر بينها و بين نفسها، لقد أخبرت والدتها و الطبيب الذي اسعفها عندما وقعت حادثة الاعتداء، و خافت اخبارهم بباقي القصة لتهديد والدها المستمر لها، فلقد تم القبض على صديق والدها و الأقاويل تقول أنه هرب من السجن و مات في حادثة سير، و البقية يقولون أنه مات في السجن، لكن الأكثر صوابًا أنه لقى حتفه بعد الحادثة بعامين، أما المتبقي من القصة هو أن والدها تعدى عليها جنسيًا أيضًا و هددها بقتلها و قتل أمها إذا اشتكت عليه، و من بعدها هرب و تم الامساك به ثُم هرب ثانيةً و لم يستطع أحد التوصل له و أُهملت القضية، لكن
” منة ” لم تَنْسَ و لن تقدر على نسيان ما فعله بها؛ لذلك توعدت له بالانتقام ولو بعد حين، و لم تذكر أمر اغتصابه لها سوى لقُصي.
حاول ” كريم ” تخيل الأمر مع زوجته و أهل بيته، فأحس بأنه سيصاب بالجنون ولم يستطِع حتى التخيل، بينما اللواء شعر بالأسف الشديد على منة، و أردف زافرًا بضيقٍ:
” ربنا يسترها على ولايانا، منة أنتِ بنت قوية و شجاعة إنك قدرتِ تقفي على رجلك بعد كل اللي مريتِ بيه، أنا أُحييكِ يا بنتي و نصيحتي إنك تعيشي حياتك بقى و ترمي اللي فات تحت رجليكِ ”
أما ” كريم ” تحدث بانفعالٍ:
” أنت عندك حق يا قُصي، الموضوع لما يبقى فيه عرض محدش ساعتها بيفكر في الحلال و الحرام، لأن نار الانتقام و الغضب بيعموا قلبك و عينيك و بتبقى عاوز تشفي غليلك و تاخد حقك و بس.. ربنا يسامحنا و يسترها علينا جميعًا ”
صمت خيم عليهم جميعًا، ليقطعه اللواء بهدوء
” حقك عليا إني اتعصبت عليك، بس أنت في غلاوة عيالي و عارف أنا بحبك قد إيه، مينفعش أشوفك بتعمل غلط تؤذي بيه نفسك و اسكت، يلا ربنا يصلح حالنا و يغفر لنا، بس برضو مكنش فيه داعي تسحب لنا * كل شوية ! ده أنت هريتنا
* كل شوية يا جدع ! ”
رد ” قُصي” بغضبٍ أبى تركه:
” أقسم بالله رغم إني حرقته حي بس لسه عاوز انتقم منه تاني ”
هتف اللواء ليفض الأجواء:
” طيب يا قُصي، خد مراتك بقى و روحوا و إحنا ها نتصرف في الجثة ”
” ده لو لقيته جثة أصلًا، ها تلاقيه متفحم عندك، اعملوا بقى زي الهنود و خدوا التراب بتاعه ارموه في النهر ”
قالها قُصي ببرودٍ، في حين أن الجنود العساكر اللذين جاءوا مع اللواء و كريم، تولوا مهمة أخذ الجثة و اخفائها، ثُم التفت اللواء لقُصي و قال:
” بلاش تتهور تاني و تعمل أي حاجة من غير ما ترجع لي، امريكا مش ها تحميك، امريكا غداره و عايزاك لمصلحتها بس ”
” و أنا كمان عايزها لمصلحتي، رغم إني امريكي الأصل، و رغم تقدم امريكا في كل حاجة، لكن هتفضل أحقر بلد بالنسبة لي، عشان كده أنا بسعى اسافر و استقر هناك.. عشان احطهم هما كمان في سيخ شواء، بس على الهادي و كله بالتراضي ”
تدخل كريم يقول في حيرةٍ من أمر قُصي:
” رغم إن بقى صعب عليا افهم اللي في دماغك زي الأول، بس طالما أنت حطيت ولاد الـ * دول في دماغك، فربنا معاك و لو احتاجت أي مساعدة أنا تحت أمرك بس كن حذر، أنت مهما كنت ها تفضل في مقام أخويا الصغير و حقي أخاف عليك ”
أومأ بهدوءٍ دون التعقيب بشيءٍ، و اصطحب
” منة ” من يدها، ثُم توجها للسيارة، و انطلق بها تجاه مكانٍ آخر يطل على شاطئ بور سعيد، ليستريح من عناء تلك الليلة العصيبة بالاستمتاع برائحة البحر و نسيمه النقي.
ظلت جالسة بصمتٍ لازمها منذ معرفتها بما فعله
” قُصي ” بوالدها، فالتفت هو لها و مد يده يحتوي يديها بحنانٍ، و تساءل:
” ساكتة ليه ؟ زعلانة عشان حرقته ؟! ”
لم ترد بحرف، فهز رأسه هو بخفةٍ و تنهد بثقلٍ قبل أن ينزع قناع الغموض عن وجهه:
” أنا مش أول مرة أحرق واحد يا رحمة.. ”
رمقته بعدم تصديق، فتابع يؤكد على كلامه:
” في حاجات عني لو حكيتها لك جسمك ها يقشعر، حاجات احتفظت بيها لنفسي ومحدش يعرف بيها من أهلي حتى أبويا اللي كان عميل في الانتربول الدولي ميعرفش بالحاجات دي، بس ها احكي لك عشان إحنا بقينا واحد و حابب إنك تعرفي حقيقة الشخص اللي ها تكملي معاه بقية حياتك.. ”
صمت يتابع ردة فعلها، فوجدها تنصت له باهتمامٍ شديد و عيناها تحثه على المتابعة، فأردف:
” من صغري و أنا بشوف دم اكتر ما بشوف ناس، كنت طفل فضولي جدًا، فضولي لأبعد حد، و فضولي ده سبب لي مشاكل كتير.. طبعًا أنتِ عارفة بابا طبيعة شغله كانت عاملة ازاي بحكم إنك اشتغلتِ عميلة سرية و طلعتي مهمة معايا برا الحدود.. أُبَيِّ أخويا كان بريء و طيب جدًا و ما زال، عشان كده مكنش يشغل دماغه بحاجة، كان مطيع جدًا و لو بابا قاله اقعد في المكان ده متقومش منه كان يقعد و ميقومش فعلا غير لما بابا يقوله، إنما أنا كلمتي اللي كانت بتمشي على بابا، لأني من صغري و أنا شقي و متمرد، فكنت استخبى في شنطة العربية بتاعت بابا وهو رايح اجتماعات سرية، و اتجسس عليهم و اعرف بيعملوا إيه.. اتعلمت منهم كل حاجة، ازاي احط خطط ازاي امسك مسدس ازاي اصوب مضبوط على الهدف و كل الكلام الخاص بالعملاء السريين ده، المهم في مرة واحد شافني من صحاب بابا، اسمه ماركوس و كان ضابط امريكي، مرضاش يقول لبابا مقابل إني اسمع كلامه في اللي ها يقوله، و لأنه جاب معلومات عني من مدرستي و عرف إني بطلع الأول دايمًا، فا عجبه ذكائي و كنت وقتها عندي تسع سنين.. ”
صمت يتذكر طفولته التي لم يذق براءتها، و ابتسم بخفوتٍ، ليُكمل:
“خدني عمل لي اختبارات ذكاء لوحدنا، و نجحت فيها كلها، كان مصدوم ازاي طفل في سني يحل مسائل من بتاعت العلماء الكبار، قالي أنت ها تبقى عالم عبقري بس بلاش تركز على العلم بس، الحياة ها تعيشها مرة واحدة جرب فيها كل حاجة الوحشة قبل الحلوة، علمني ازاي اضرب نار و أنا عندي تسع سنين لما كملت أربعة عشر سنة خدني مهمات معاه و كل ده و بابا مفكر إني بروح اذاكر مع صحابي، و طبعًا لأنه مشغول طول الوقت فمكنش بيدور عليا، و ماما كانت بتصدقني في أي حاجة بقولها.. أخو كارمن اللي أنا دفنته حي مكنش أول واحد اقتله.. و أنا عندي خمسة عشر سنة كنت راجع من تدريب ليا مع الضابط ماركوس، شفت أربع شباب أكبر مني في العشرينات و اجسامهم كبيرة عني، أنا وقتها كنت صغير برضو، الأربعة دول كان بيعتدوا على بنت في حدود السبعة عشر سنة كده، و هي فضلت تصوت و الناس تتفرج و محدش فكر يدافع عنها، لأن الأربعة دول طلعوا بلطجية المكان ده و الناس بتخاف منهم، افتكرت كلام ماركوس وهو بيعلمني الثبات الانفعالي قدام الخصم، قالي عشان تغلب اللي قدامك فكر بذكاء مش بتهور، أنا قلت إني لو ادخلت و دافعت عنها ها يقتلوني مفيهاش كلام تاني، و للأسف بعد ما اعتدوا على البنت قتلوها، في أماكن في امريكا مش بتبقى عليها رقابة أصلا
.. البلطجية هما اللي بيستولوا عليها، و المكان ده كان بعيد عن بيتنا، فأنا حفظت شكل الشباب دي و حكيت لماركوس على اللي حصل، قالي أنت عاوز تعمل ايه ؟ قولت له اقتلهم، قالي القتل ليه طرق كتير أنت بتفكر في إيه ؟ قولت له بعفوية احرقهم عشان عذبوا البنت، ساعتها لمحت في عينيه لمعة الخبث، و قالي إيه رأيك لو نرمي اتنين في زيت مغلي و اتنين نشويهم على سيخ شواء ؟! أنا فضلت دقايق بحاول استوعب كلامه بس حسيت إنهم يستاهلوا كده و فعلًا جابهم و نفذ الموضوع ده قدام عيني، يومها فضلت استفرغ و تعبت لأني مقدرتش اتحمل المنظر، بعد كده كان يقبض على المجرمين و يخليني اعذبهم معاه، لحد ما اتحطيت في مهمة لوحدي و مسكت أخو كارمن عجنته من الضرب و دفنته تحت الأرض وهو لسه فيه النفس، و يوم في شهر يعدوا لحد ما بقيت سفاح رسمي بس بشهادة من الكبار، لأني كنت بتكلف بالعمليات دي مش بروح اقتل من دماغي، اللي كنت بقتله كان بيبقى عنده تاريخ من الاجرام بشع، فمكنتش بحس بأي ندم ”
ظلت ” منة ” تنظر له بخوفٍ، رغم أنها أيضًا قتلت مجرمين كَثُر، و لكن لم يسبق لها و أن عذبت أحد قبل قتله، بينما هو التفت لها و تابع:
” أنا معرفش غير الدم و مبعرفش انتقم غير بالدم، و مبعرفش اخد حقي من حد غير بالدم، و كل اللي قتلتهم عذبتهم قبل ما اقتلهم، أنا عندي ثلاثة و عشرون سنة و حاسس إني عندي خمسين من كتر القرف اللي شوفته في حياتي، معرفش يعني إيه طفولة بريئة أصلًا، زي ما أنتِ طفولتك اتسرقت منك، أنا كمان طفولتي اتسرقت مني بس طرق السرقة مختلفة، أنتِ غصب عنك و أنا يعتبر بكيفي، بس والله ما كنت حابب كده، الفضول بيدمر الواحد و أنا ادمرت من صغري، ده غير إني فاشل في الحياة العاطفية، عمري ما عيشت تجربة حُب، رغم إني عرفت بنات بعدد شعر راسي، بس والله ملقيتش نفسي معاهم و معرفتش أحب، كنت بعرفهم عشان مصالح تخص المهمات السرية، أما بتوع الفيس والله هما اللي بيبعتوا لي، أنا عمري ما قلت لواحدة بحبك و عاوز ارتبط بيكِ لأني مبعرفش أحب أصلًا و دايمًا شايف الحُب ده ضعف بيلوي دراع الواحد ”
صمت ليقترب منها أكثر، و مسِّد على شعرها الناعم، ثُم أردف بصدقٍ:
” لحد ما جيتي أنتِ يا مفعوصة و خطفتِ قلبي ”
ابتسمت بخفوتٍ و بدموعٍ في نفس الوقت، بينما هو تابع:
” أنا دايمًا بظهر عكس اللي في قلبي، معروف عني إني بهزر و بضحك و مش شايل هم حاجة، بس والله أنا جوايا حرب و معركة مع نفسي أنا لوحدي اللي بحارب فيها، أنا مبحبش اظهر ضعفي قدام حد رغم إني دموعي قريبة و ده شيء خارج ارادتي، بس والله يا رحمة محدش عارف ولا حاسس بالتعب اللي جوايا.. في الوقت اللي بضحك و اهزر عشان مبينش إني زعلان من حاجة، ببقى مقهور من جوايا.. أهلي واخدين عني فكرة إني قوي ومفيش حاجة بتأثر فيا عشان كده محدش بيطبطب عليا ولا يعاملني بالحنية اللي أُبَيِّ أخويا كان بيتعامل بيها، والله مش غيرة بس صعبان عليا نفسي.. دي غلطتي عشان أنا اللي صدرت لهم الفكرة دي عني.. ”
عقب كلامه الذي خلف تأثيره على قلبها و بدوره رَقَّ له أكثر، فمدت كفيها تحتوي و جهه برفقٍ، هامسةً:
” بس تقدر من النهاردة لما تكون عاوز تظهر ضعفك تيجي لي.. صح ؟! ”
أومأ باسمًا و بعد دموعٍ تجلت واضحة:
” أكيد، ما هو أنا خلاص انكشفت قدامك و مبقاش فيه مجال للهرب تاني ”
” ليه كنت بتهرب مني قبل كده و تعاملني بقسوة، طالما كُنت بتحبني ؟ ولا أنت ما حبتنيش غير لما عرفت إني مشيت ؟! أنا لسه بسأل نفسي هو حُبك ليا المفاجئ ده، كان متراكم و لا شفقة ؟! ”
رد وهو يرفع كفيه يحتوي كفيها:
” أنا عمري ما فكرت في الحُب يا رحمة.. عمري؛ لأني عارف إني هفشل في الحتة دي.. أولًا أنا مليش نقطة ضعف و معنديش عزيز ولا غالي فلو حبيت هتبقى حبيبتي نقطة ضعفي و الحتة اللي دراعي بيتلوى منها، و أنتِ عارفة العيون عليا كتير، يعني خلصت من يهوشوع طلع لي خلفاؤه، غير كده أنا عندي طموح إني اقضي على أمريكا اللي فاكرة نفسها قوة العالم، نفسي اكسر غرورهم و اعرفهم إن العرب اسيادهم، و الاختراع بتاعي لو مشى مظبوط ها يساعدني اعمل كده، و للأسف هما اللي عندهم المقدرة يتبنوا الاختراع ده بس مش ها يعرفوا ها يطبق ازاي لأني راسم له رسمة تانية.. ”
سكت يبث قبلاته في كفيها، ثُم تنهّد بقوةٍ ليتابع حديثه:
” معاملتي ليكِ ملهاش مبرر أنا عارف، بس عملت كده عشان تكرهيني، كنت عارف إنك بتحبيني.. نظراتك قالت لي كل حاجة أنتِ مش عاوزة تقوليها.. في الليلة اللي جيتي لي فيها و حاولتِ تتعاملي معايا كزوجة ما تتخيليش أنا كنت مبهور بيكِ قد إيه، بس سيطرت على نفسي عشانك.. جرحتك و قسيت عليكِ عشان أنا غبي و استاهل أي عقاب أنتِ عاوزة تعاقبيني بيه، بس والله يا رحمة عملت كده عشان تكرهيني و تبعدي عني، لأني مكنتش قادر اسيبك فكنت عاوزك أنتِ اللي تاخدي الخطوة دي، و برضو كنت خايف تاخديها و تبعدي عني.. أنا اعجبت بيكِ في اليوم اللي بعدتيني عن الكهف قبل ما سام ادوارد و رجالته يوصلوا لنا و ضحيتِ بنفسك عشاني، ساعتها حسيت إنك أحسن مني بمراحل، شوفت فيكِ البنت القوية و الطيبة في نفس الوقت، رغم إنك مكنتيش طايقاني في الأول، بس أنا كُنت طايقك.. لكن الظروف و اللي حصل في الفترة الأخيرة و الصراع اللي بيحصل بيني و بين نفسي و جهدي اللي ببذله عشان اقضي على غروري، خلاني في حيرة و تشتيت دايمًا، و كل دول مش مبرر لمعاملتي ليكِ عارف.. أنا آسف ”
تساءلت بعاطفة جياشة و بعينين تملؤها اللهفة لسماع الإجابة التي يريدها قلبها:
” و حبتني امتى ؟! ”
” لما رقصت معاكِ التانغو.. أنا عارف رقصة التانغو بتترقص ازاي و تخيلت الشاب اللي في الفرقة وهو بيرقص معاكِ، لأني سمعتك و أنتِ بتنظمي لهم الرقصة، و معرفش وقتها حصل لي إيه، حسيت إن الغيرة ها تقضي عليا.. كُنت غيران عليكِ بشكل، عشان كده رقصت أنا معاكِ و في نفس الوقت افتكرت إنك زوج أمك متفق مع أبويا نتجوز أنا و أنتِ و بعدين يساعدوني اسافر لناسا، و أنا بغروري مكنتش اتخيل حد يلوي دراعي، فا حبيت أنا اللي الوي دراع ” منير ” و شيطاني سيطر عليا و عملت اللي عملته، أنا آسف ”
” بس أنت عملت زي بابا و صاحبه ”
قالتها و بكت ثانيةً في صمتٍ، فهتف هو سريعًا:
” أنتِ بتقارنيني بيهم يا رحمة ؟! ”
صاحت بانفعالٍ و كأن كل المشاهد القاسية تجمعت كجيش العدو مرة واحدة في مخيلتها:
” مهو اسمه تحرش برضو يا غبي، أنت كمان تحرشت بيا يا قُصي.. يعني أي واحد يتحرش بأي واحدة و يقول مش قصدي ؟! ”
هزّ رأسه بنفيٍ، و مسَّد على خدها بأنامله يحاول تهدئتها، ليقول بصدقٍ:
” رحمة اهدي.. أنا مش كده، و عمري ما ايدي لمست جسم واحدة، ولا أنا بتاع القرف ده أصلًا، والله فعلًا غصب عني، و بعدين أنا ما تحرشتش بيكِ بالمعنى الحرفي للكلمة ! أنا.. أنا بس شديتك عليا جامد لكن معملتش أزيد من كده، و أنتِ عارفة إن حركات رقصة التانغو حركات جنسية يعني أي حد هيشوفها هيفكرها عملية تحرش، لكن والله ما تحرشتش بمعنى تحرشت ! ”
تنهّدت بصعوبة و هدأت قليلًا، لكنها ظلت صامتة تسند ظهرها للمقعد و تنظر للبحر بشرودٍ، فهي على دراية تامة بما يقوله و بصدق كل حرفٍ يخرج منه، و لكنها غاضبة من كل شيء فلم تجد غيره تفجر غضبها فيه، بينما هو اقترب منها يرجع خصلات شعرها خلف أذنها الذي تطاير على وجهها بفعل الرياح الخفيفة، و أردف بهمسٍ نجح في تهدئة ثائرتها تمامًا:
” كل اللي عاوزك تفهميه و تصدقيه، إني شايفك أحسن واحدة في العالم، و عُمر ما نظرتي ليكِ ها تتغير، أنا فخور بيكِ.. أنتِ قوية يا رحمة و قدرتِ تتخطي صعوبات الحياة لوحدك، اوعي تفكري إني ها بص لك بنظرة احتقار بعد اللي عرفته.. أبدًا، ده أنا زدت فخرًا بيكِ و أنتِ عامةً فخر و شرف لأي حد، أنا الأول كُنت بحبك و ساكت عشان خاطر حلمي و هدفي.. دلوقت أنا مليش هدف ولا حلم في حياتي غير إني اسعدك و اعوضك عن كل اللي فات.. يغور حلمي و طموحي و تفضلي أنتِ منورة حياتي.. والله ما بعرف أقول كلام حلو بس بعرف أقول اللي حاسس بيه، و ده اللي حاسه تجاهك..
و ربي المعبود بحبك يا رحمة ”
التفتت له و تساءلت بهمسٍ مماثل:
” ليه بقيت تناديني رحمة ؟! ”
” عشان أنتِ جيتي لحياة قُصي رحمةً به و له ”
قالها في محاولة منه للاقتراب أكثر منها، فتزحزت قليلًا عنه، و تساءلت تغير الحديث:
” هو أنت فعلًا حرقته قبل ما تقتله ولا قتلته و بعدين حرقته ؟! ”
” مش قادرة تستوعبِ إني حرقته صاحي.. صح ؟! أنتِ شايفه إنه ما يستاهلش كده ؟! ”
صمتت لدقائق معدودة تسترجع يوم الاغتصاب بالتفصيل، فتنهدت بدموعٍ و تحدثت أخيرًا باستيعابٍ بطيء:
” شايفه إنه يستاهل اكتر من كده، قلبي محروق بشكل مش قادرة أوصفه، كان نفسي يبقى ليا أب طبيعي زي كل الناس، يحسسني بالأمان بالحنان، يحتويني و يكون ليا سندي و ضهري، بس ربنا ابتلاني من صغري و الابتلاء كان صعب عليا بطريقة فوق ما تتخيل، و رغم كل ده بقول الحمدلله، يمكن يكون الابتلاء ده سبب في دخولي الجنة، أصل أنا متعلمتش حاجة في الدين، محدش علمني أي حاجة و مقدرتش اكمل المدرسة عشان كنت دايمًا انطوائية بعد اللي حصلي، فا زمايلي كانوا بيتنمروا عليا و يقولوا إني مجنونة عشان بفضل قاعدة لوحدي و دايمًا الدموع مش بتفارقني، فطلعت بعد تالتة اعدادي.. أيوة الدنيا علمتني حاجات كتير و اشتغلت مع الجيش و مثلت مصر في التنس كذا مرة و في المبارزة بالسيف، بس محدش خدني من ايدي و علمني الدين.. أنا اللي كنت بتعلم بنفسي بس متعلمتش برضو كل حاجة، فبقول ربنا ابتلاني الابتلاء الكبير ده عشان يكون سبب في تكفير ذنوبي، أصل ربنا ارحم علينا من أهالينا، فأكيد مش ها تعذب مرتين، كفاية عذاب الدنيا و اللي عملته فيا.. الحمدلله الحمدلله ”
قالت آخر كلمتين و انفجرت في البكاء، فما كان منه إلا أن يقترب منها و يضمها لصدره، ثُم أخذ يهدئها بالكلمات المطمئنة:
” أنا جنبك و مش ها سيبك أبدًا، ها افضل معاكِ لآخر يوم من عمري، هكون لك الأب اللي كان نفسك فيه، كفاية عياط أنا عمري ما قلبي وجعني زي دلوقت، وجعتي قلبي بعياطك.. كفاية عشان خاطري ”
همست من بين شهقاتها المتتالية:
” حاولت انسى كذا مرة بس فشلت، حاولت و معرفتش يا قُصي، ساعات بهرب للنوم عشان ما افتكرش و بقوم مفزوعة نص الليل، حتى في احلامي المشهد مش سايبني.. أنا نفسي انسى بس امتى هَنسى.. امتى يا قُصي ! ”
رد بدموعٍ تجاوبت معها:
” أنا هَنسيكِ و الله لأنسيكِ، بس كفاية عياط ”
ابتعدت عن صدره و مسحت دموعها بصعوبة، لتقول:
“ممكن أطلب منك طلب و تنفذه بدون مناقشة ؟”
هتف سريعًا، و كأنه قرأ مقصدها أخيرًا:
” أي حاجة إلا البُعد يا رحمة.. عشان خاطري ”
بالفعل قررت الابتعاد عنه لفترة لتأديبه و لتجعله يشعر بالألم و الوجع في البُعد عنها كما شعرت هي، و لتعلم لأي درجة يحبها و هل حقًا لن يستطيع التخلي عنها، أم هذه فقط مشاعر سطحية و ستزول مع الوقت ؟
مسحت وجهها، و تنهدت بعمقٍ لتقرر أخيرًا تنفيذ قرارها، فالتفتت له و قالت:
” لازم تعرف إن أنا مش سهلة المنال يا قُصي، و مش معنى إني بحبك و عواطفي اللي بتتحكم فيا، يبقى بسهولة انسى و اسامحك !
لازم تعرف إني استاهل المعافرة و التعب عشاني، استاهل تدوق المُر اللي دوقته بسببك، استاهل تتعب عشان تنول العفو مني.. ”
مدَّت أناملها تداعب خده و تابعت:
” بحبك بس عاوزة أحس بحُبك ليا، أنا مصدقة إنك بتحبني بس عاوزة أحسه منك يا قُصي.. نفسي أبقى زي البنات اللي حبيبها بيتعب عشان يوصلها، نفسي أحس إني غالية يا قُصي ”
احنى رأسه بأسفٍ و ندمٍ لما فعله بها، و همس في تساؤل مرير:
” ها تطولي في البُعد ؟! ”
رفعت له رأسه، و قالت بحنانٍ ممزوج بالقوة:
” البُعد أحيانًا بيعلمنا نِحِس بقيمة بعضنا اكتر، عمري ما حُبي ليك ها يقل بمقدار واحد، بس أنا محتاجة استرجع نفسي الضايعة، محتاج ابقى لوحدي، و في نفس الوقت عاوزة احس إنك مش ها تقدر تعيش من غيري ”
استطاع بسهولة فهم ما ترمي إليه، فقال باسمًا بسخرية من حالهما:
” عاوزاني احس بنفس اللي أنتِ حستيه بسببي صح ؟! عاوزة تعلميني الأدب بالبُعد يا رحمة ؟ ”
سكتت دقيقة تحاول المام شتات نفسها، ثُم أردفت بإيماءة رأسٍ:
” مائة و تسعة و أربعون يومًا من ساعة ما تزوجنا، و أنت بتقسى عليا.. حتى لو كان غصب عنك بس أنت تسببت في وجع كبير لقلبي، قلبي اللي أول ما دق، دق باسمك أنت، قلبي اللي عشقك أنت رغم إنه رفض يبقى فيه حُب في حياته، قلبي اللي عذبني بحُبك و أنت قسيت عليه.. الحُب بيقوي مش بيضعف، حبي ليك مكنش ها يضعفك، أنت بس اللي استعجلت الأمور و حكمت عليه بالضعف.. ثلاثة آلاف و ستمائة و خمسة و سبعون ساعة مرت عليا و أنا قلبي موجوع من الحُب، من حُبك أنت يا قُصي ”
” و أنتِ عاوزاني أحس بالوجع قدهم.. صح ؟ ”
أومأت بدموعٍ جاهدت في اخفائها؛ حتى لا تضعف أمامه، فقال هو بضعفٍ و عجزٍ و استسلامٍ رغم أنفه:
” لو ده ها يرضي قلبك أنا موافق.. و وعد مني اثبت لك إن حُبي ليكِ مش حُب يومين و يروح لحاله، وعد مني اثبت لك إني نكرة من غيرك يا رحمة.. وعد مني اثبت لك إني بعشقك و إنك أول و آخر حُب في حياتي، وعد مني اثبت لك إن الحياة بدونك بلاها أحسن ”
همست بنبرة على وشك البكاء:
” وديني عند ماما، مش هروح معاك ”
أدرك أنها أخذت القرار و لا مفر من التراجع، فانطلق بالسيارة تجاه فيلا ” منير الأنصاري “، و ظلا طوال الطريق في صمتٍ تام لا يخلو من الشعور بالألم في قلبيهما.
و انكسر غرور أزرق العينين بالحُب !
هزم الحُب الصادق و المشاعر الحقيقية غروره و كبريائه اللذان طوقا قلبه لسنوات، و اعترف قلبه و عقله معًا أنهما لم يعودا يستطيعان البُعد عن صاحبة جسد الدمى !
فتاة بحجم الدمية بالنسبة له، استطاعت جعله يخر على ركبتيه أمامها رافعًا راية الاستسلام.. فوضع غرور على جانب و اظهر حبه الكامن بداخله لها، و عندما اعترف بمشاعره، جاءت هي و قررت الابتعاد و تأديبه على طريقتها الخاصة !
يا لها من دمية قوية !
توقفت السيارة بعد عدة ساعاتٍ أمام الفيلا، و قبل أن تفتح الباب و تغادر، امسك يدها التي تضعها على باب السيارة، و قال بنظرة استعطاف:
” لما أحب اسمع صوتك في التليفون، و اتصل عليكِ.. ها تردي ؟! ”
اغلقت جفونها تحبس دموعها، و همست بألمٍ:
” لازم تحس بنفس الوجع اللي أنا حسيته يا قُصي عشان اسامحك ”
” طيب ساعديني، قولي لي أعمل إيه.. أنا مجربتش الحُب قبل كده، في حاجات كتير من الناحية دي أنا فاشل فيها ”
” بس مكنتش فاشل لما رقصت معايا ! ولا هو جنسكم مش بيفكر غير من الناحية الجسدية بس ؟! اسمع لقلبك و هو يدلك تعمل إيه ”
تركته و هبطت من السيارة، فهبط وراءها و أعاق طريقها بالوقوف أمامها، ثُم جذبها له يعانقها بقوةٍ تاركًا العنان لدموعه، و همس لها باشتياقٍ بدأ يلازمه منذ تلك اللحظة:
” هعمل كل اللي اقدر عليه عشان تسامحيني، و ها تسامحيني يا رحمة، عشان أنا بحبك بجد، بحبك و حياتي مبقتش مرهونة غير بيكِ ”
تَملَّصت من بين ذراعيه بعد دقائق ثمينة، و مسحت دموعه برقةٍ متبوعة بقولها اللين:
” خليك قوي، الحُب بيقوي مش بيضعف ”
قالت تلك الجملة و تركته في أوج حزنه، ثُم انصرفت و اختفت من أمامه لحين ميسرة، أما هو رجع منزله ندمانًا حزينًا بشدة على كل دقيقة مرت عليه معها دون أن يخبرها بأنه يحبها و لا يُحب سواها.
__________________.
و هكذا مرت الأيام على الجميع بحلوها و مرها، أيام و أسابيع متداولة اعتيادية بين جميعهم، و لكنها أثقل و أمرَّ على هذين الشابين
” رحمة و قُصي “، حتى أنه لم يحضر حفلة تخرجه و والده هو من استلم شهادته بدلًا منه.
أصبحت العلاقات طيبة بين رياض و أبناءه خاصةً أبو رُميساء، فكان يقضي معظم الوقت معه يعلمه أشياء من الدين لم يكن هو على علم بها، و كتاكيت ” مفيدة ” أصبحت دجاج يؤكل الآن، و
” سيف الاسلام ” تم شفاؤه أخيرًا وعودته لاستكمال تصفيات كأس العالم، و انشغلت
” روان” بروضة الأطفال الخاصة بها، و كانت تزور رُميساء بين الحين و الآخر للاطمئنان عليها عندما يكون زوجها في عمله، أما ” زياد ” وزع نفسه بين عمله و تربية التوأم مع ” هاجر “، بينما
” إبراهيم ” انشغل بعمله هو الآخر في الفرع الذي يترأسه بواسطة والده، و أصبح العمل و كثرته يشغلا وقته، و لكنه لم يكف عن الاطمئنان على
” ملك ” بين الحين و الآخر، بينما هي تزداد تعلقًا به يومًا عن يوم، و لم يساعدها أحد على ارتداء الحجاب إلا هو، فكان يتعلم خصيصًا من أساتذة العلوم الدينية كل شيء يساعده في الحديث معها عن الحجاب، حتى أحبت هي الاحتشام اقتداءً بأمهات المؤمنين، و ذات يوم تفاجؤ جميعهم بارتدائها الحجاب الصحيح الذي لا يشف ولا يصف، و كان ” إبراهيم ” في قمة سعادته بها، حتى بدأ يشعر بأن مشاعره تجاهها بدأت تتغير و لم يعد يراها مجرد أخت فقط، فما كان منه إلا أن يقلل الكلام معها، و يجعلها تنشغل بدراستها و مستقبلها و لا تفكر فيه ثانيةً، و لكن تعلقها به يزداد عن حده، و هو خاف أن تكون مشاعره هذه مؤقتة و خشي جرحها، فمن الأفضل له الموت على أن يتسبب في جرح قلبها البريء.. هكذا أخبر نفسه و هكذا قرر الابتعاد عنها و تركها لحال سبيلها، أما هي بعدما أحست ببعده عنها، عادت تمكث وتبكي وحدها، و كالعادة يفشلون جميعهم في برئ جرحها، و عندما علمت « رحمة» بالأمر، أخذت تكلمها يوميًا عبر مكالمات الفديو تحاول اخراجها من حالتها بأي طريقة، فهي الوحيدة بعد
” إبراهيم ” التي تنجح في سلبها من حالتها النفسية السيئة، و أخبرتها ألا تحدث قُصي في هذا الموضوع ولا تخبره بأمر اتصالها؛ حتى لا تتصادم معه و يرق له قلبها الحنون و ترجع عن قرارها.
في حينٍ أن ” بدر الشباب ” قد عاد لمداومة عمله بالشركة، فبعد ظهور نتيجة الامتحانات الخاصة بكُلية الهندسة لجميع المراحل، وجد نفسه الأول على دفعته، أما ” عائشة ” كانت تقديراتها تتراوح ما بين الامتياز و الجيد و الجيد جدًا؛ قام باخراج صدقة يشكر بها ربه على توفيقه و توفيق زوجته، و لكن في الحقيقة هو يلتزم بالصدقة دائمًا، حتى قبل أن يتسع رزقه، كان يلتزم بالصدقة بعدة طرق أخرى.. مرة يخرج جنيه و مرة خمسة و مرة تكون صدقته بالكلمة الطيبة و جبر الخاطر، و مرة باعطاء الدروس الدينية للأولاد، و مرة بتقديم ما تبقى من الطعام للقطط و الكلاب، و وضع أطباق من الماء للطيور على سور شُرفته.
جلس بمكتبه يتابع بعض الأعمال الخاصة بمنصبه، فطرق ” عصام ” الباب بأدب و دلف بعدما أذن له بدر بالمجيء:
” حضرتك تحب تشرب حاجة ؟ ”
تبسم ” بدر ” ببشاشةٍ له و سعادةٍ به، فهذا الذي يقف أمامه الآن.. يتغير يومًا عن يوم للأفضل، أصبح ” عصام ” من أكثر الشباب المعروف عنهم حُسن السير و السلوك، فعندما تجلس معه يحاورك بكل تهذيب، و إذا دخلت المسجد لتأدية صلاة الفريضة، وجدته في الصف الأول يصلي بكل خشوع، و إذا تفرغ من العمل؛ يجلس و يقرأ القرآن.. “عصام” بفضل الله أولًا و قبل أي أحد، ثم بفضل ” بدر “، أصبح مثال للشاب الصالح يُحتذى و يُقتدى به، و قد علمه ” بدر ” أيضًا أن يجد الوقت لممارسة الرياضة، فهي تُربي و تُنمي الصبر و الثبات؛ لذلك أصبح ” عصام ” شابًا جميل الخلق و الخُلق، شاب بجسد رياضي صحي و بأخلاق عالية يُحسد عليها، و الآن و بعدما تعلم كل شيء خاص بالعمل في شركة المهندس مرتضى، أصبح السكرتير الخاص لـبدر، و كان يمكنه الاتصال عليه بالهاتف الملحق في مكتبه الخارجي لسؤاله إذا كان يود احتساء الشاي أو أي شيءٍ آخر، و لكنه قرر الذهاب إليه بنفسه؛ للحديث معه في أمرٍ يخصه، و ابتسامة بدر الجميلة تلك؛ لأنه يعرف خبايا ” عصام ” أكثر منه، و لهذا قال ” بدر ” وهو يشير له بالجلوس:
” تعالى يا عصام.. قولي يا حبيبي عاوز إيه ؟ ”
شعر ” عصام ” بالخجل يكسو ملامحه، و جلس في ارتباكٍ يحاول اخراج أي صوت له، فساعده
” بدر” بقوله المطمئن له:
” عصام.. أنا أخوك مش مدير و موظفه، أنت قولت لي أنا بعتبرك أخويا الكبير، و أخوك الكبير عاوز يسمعك و يعرف اللي جواك.. مفيش احراج بينا، اتكلم يا حبيبي ”
تنهّد ” عصام ” بهدوءٍ، و قال بتوتر ملحوظ:
” بصراحة يا باشمهندس أنا عاوز.. عاوز اتزوج من الأستاذة «ابرار اسلام» اللي بتشتغل سكرتيرة للباشمهندس مرتضى ”
اتسعت ابتسامة ” بدر ” و قال:
” ما شاء الله، مبسوط أوي إنك خدت خطوة الزواج، كنت عاوز أكلمك فيها من زمان بس قولت اسيبك براحتك”
” إيه رأي حضرتك فيها ؟! ”
” أنا مفيش بيني و بينها معاملة أصلًا، بس باشمهندس مرتضى بيقول عنها كل خير.. بنت محترمة و شايفة شغلها و في حالها، فأنت لو حاسس بمشاعر تجاهها روح اتقدم لها ”
رد هو بلهفةٍ:
” و حضرتك ممكن تيجي معايا ؟ يعني.. أنت عارف إن أبويا و أمي مش في دماغهم غير التجارة و الفلوس، فعاوز اتشرف بيك أنت تبقى معايا ”
أجاب ” بدر ” بعقلانية و بابتسامة لم تفارقه:
” أنا أكيد ها اجي معاك إن شاء الله، بس أبوك في المقام الأول و قبل كل شيء، سيب لي أنا الموضوع ده.. أنا هتكلم معاه و عاوزك تروح تتكلم مع باشمهندس مرتضى، هو بيعتبر ابرار زي بنته و هيفاتحها في الموضوع يعرف رأيها إيه، و إن شاء الله كل خير يا حبيبي ”
نهض ” عصام ” بسعادة و بعفوية يحتضن “بدر” قائلًا:
” أنا بشكرك أوي يا باشمهندس بدر، حضرتك و نعم الأخ ”
” حضرتك و باشمهندس قدام الناس، لكن بينا و بين بعضنا مفيش رسميات بين الاخوات.. تمام ؟ ”
أومأ عصام و شكره ثانيةً، ثُم خرج ليحادث
” مرتضى” في الأمر.
__________________.
“حارب لأجل أحلامك ولو لم يحارب معك أحد.”
~~~~~~~~~~~~~~.
عودًا حميدًا لسيف البطل في مباراةٍ هي الأصعب في لقاء الصعود في مجموعة الموت، يعود
” سيف” من بعيد بعد إصابة مرهقة و شاقة، ليقود منتخبنا الوطني بإذن الله نحو التأهل إلى
« 2026 »، في مباراة تحديد المصير حيث تعادل منتخب مصر في ثلاث مباريات سابقة، ليدخل في حسبة برما يقود هجوم منتخبنا الوطني في التأهل إلى العُرس القروي.. مباراة المغرب مباراة العودة هي مباراة المصير و ” سيف ” هو سوبر مان الكرة المصرية، و بعد السلام الوطني للبلدين تنطلق المباراة، حيث يلعب المدرب المصري بخطة هجومية مع تحفظ شديد في خطة منتخب المغرب.. هجوم كاسح من منتخبنا الوطني مع دفاع شرس من منتخب المغرب، و ندخل للدقيقة الخامسة و اسست رائع جدًا من
” سيف ” لخالد بيومي مهاجم المنتخب، و لكن العارضة تتصدى لهدف محقق لمنتخب مصر، و نذهب لمعلقنا « محمد رجب» حيث يعلق على مباراة الأمل الأخير:
” و بيتحرك سيف في الملعب مع حرية حركة من المدير الفني.. واخد الملعب رايح جاي ما شاء الله عليك يا سيف يُطلق عليك يابني ذو الثلاث رئات، راجع من الاصابة غضنفر الكرة المصرية.. و يتألق سيف و يرقص واحد و اتنين و تسديدة أوبــا، لكن حارس المرمى على طول بيخرجها ضربة ركنية، و الحكم بيوقف المباراة لاصابة أحد اللاعبين، و لحد ما يستأنف اللقاء أملنا كبير النهاردة في سيف و رفاقه، إنهم يسجلوا اليوم هدف الصعود و نتمنى سيف يكون هو صاحب الهدف ”
و بأداء أقوى ربما يكون مغير للواقع، منتخب المغرب ينفذ هجوم شرس من الناحية اليسرى، و لكن دفاع المنتخب الوطني لهم بالمرصاد، و ربما الحلم يأتي من خلال تسديدة في هذه الأوقات العصيبة.. هدف هنا أو هناك قد يولع المباراة..
سيف في الدقيقة الثلاثين بتصويبة صاروخية من على حدود منطقة الجزاء يُسجل أولى الأهداف أولى اللحظات الجميلة، هدف من أجمل ما يكون هدف التقدم للمصريين، لنعود بعد ذلك لـ
« كابينة» المعلق:
” هالله هالله هالله سيف بتكاته و حركاته و بلمساته الإبداعية يسجل أجمل الأهداف.. يلا يا رجالة نحافظ على التقدم و الفوز و بنلعب في الدقيقة الأربعين، هجوم كاسح من منتخب المغرب و دفاع شرس من منتخب مصر.. اتقلبت الخطة منتخب مصر من « ٤/٣/٣ إلى ٤/٥/١» عاوزين نخرج الشوط ده بالتقدم.. سيف معاه الكرة بياخدها عند الناحية الشمال و الله عليك يا راجل إيه ده يابني ! عاوز ترقص تلاتة ! راجع من الاصابة نفسك مفتوحة ! فعلًا غضنفر الكرة المصرية، و بتروح الكرة مع اللاعب رقم عشرة من منتخب المغرب، و على حدود منطقة الجزاء و تسديدة صاروخية، لكن « اوفا» لها بالمرصاد ”
و انتهى الشوط الأول بتقدم منتخب مصر بهدف واحد مقابل لا شيء.. استراحة قصيرة ثم يعودوا بعد قليل.
و ها قد عدنا لشوط المباراة الثاني مع أحقية التقدم للمنتخب الوطني المصري، و جميع المصريين على اعتاب المونديال، إنه سيف صاحب اللقطة الجميلة ( صاحب هدف المباراة)، و المدير الفني للمغرب يغير الخطة لتصبح هجومية بحتة، و هذه فرصة سيف لاستغلال المسافات الواسعة.. نصل إلى الدقيقة الخمسون و منتخب المغرب يكثف هجومه من الجهة اليسرى مع تألق ملحوظ من « اوفا» فاول من وسط الملعب و سيف على التنفيذ.. تسديدة و كرة في العارضة، يخرج بها سيف آهات المصريين، و نصل للدقيقة الستون و توغل من مهاجمي المغرب داخل منطقة الجزاء مع عرقلة واضحة للاعبي المغرب، ليعطي الحكم الليبي ضربة جزاء للمغرب على تنفيذها الآن « سفيان رحيمي» و يسددها الآن سفيان رحيمي و لكن مع تألق اوفا و مهاراته؛ تصدى لها و ابعدها ليحتفظ بتقدم منتخب مصر بهدف ” سيف ” حتى هذه اللحظة.
فرحة عارمة في مدرجات المنتخب المصري، و كذلك على المقاهي، حتى شاهدتها عائلة الخياط، و ” روان ” لم تكف عن تشجيعه خلف الشاشة..
افراح هنا و ترقب هناك، و سيف يقود هجوم منتخب مصر في هجمة مرتدة من الجهة اليمنى مع عرقلة سيف على حدود منطقة الجزاء، ليشهر الحكم البطاقة الحمراء لمدافع المغرب، و سيف ما زال على التنفيذ و فاول صاروخي لكن تصدي رائع من حارس المغرب يحولها إلى ضربة ركنية.. نلعب في الدقيقة التسعين، و المدير الفني للفريق المصري يدفع بثلاث تغيرات دفعة واحدة، ليؤمن خط الوسط و يلعب سيف رأس حربة وهمي.. بسالة مصرية أمام هجوم مغربي، و الحكم يعطي ثلاث دقائق وقت محتسب بدل ضائع.. سيف يأخذ الكرة من وسط الملعب في محاولة لتضييع الوقت الشرعي، و ينجح في المرور من واحد و الثاني، ليسدد من بعيد لكن الحارس ينجح في التصدي لها، و ها هو الحكم يطلق صافرة النهاية بتأهل المنتخب الوطني إلى المونديال العالمي، و يحصل ” سيف ” على جائزة رجل المباراة، و مع استضافة مراسل القناة الرياضية الأولى لسيف من داخل الملعب، و جه شكره لله ثم للجمهور و اختص بالشكر جميع أفراد عائلته بالأخص شقيقه
” بدر ” الذي كان دائمًا بجواره، و أهدى شكر استثنائي بأعلى صوته في الميكرفون لسمرائه:
” بحبــك يا روان ”
مُهدي لها الفوز و التأهل للمونديال العالمي.
و يتبقَ للفريق المصري مباراة تحصيل حاصل أمام « غانا» تلعب الشهر القادم، حيث يخوض بها الفريق المصري المباراة بالتشكيل الاحتياطي للمنتخب.
و لن يحضر ” سيف ” المباراة الأخيرة؛ لزفافه على ” روان “.
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (لقمان: 17).
~~~~~~~~~~~~~~.
وقفت ” نورا ” تعد الطعام لزوجها بنفسٍ راضية، حتى شعرت بألم مفاجئ أسفل بطنها، فوضعت يدها على مكان الألم تمسح عليه بحنانٍ و تقول:
” إيه يا حبيب ماما ! ها تتعب ماما من أولها كده ؟! و ماله يا عيوني.. تعبك راحة يا حبيبي ”
أصبحت الآن في أسبوعها الأول من شهرها الثاني، و لكنها منذ أيام وهي تعاني الألم المتقطع بين الحين و الآخر في الرحم، و رغم أن الطبيبة طمأنتها على سلامة كيس الحمل، فالألم ما زال مستمر.
اشتد الألم فجأةً، حتى لم تقدر على الوقوف، فاتجهت للحمَّام سريعًا بعد شعورها بسائل ساخن يتدفق منها، و إذا بها تشهق بصدمةٍ عندما وجدت القليل من الدماء.. ارتعش جسدها و اشتد الألم أكثر فلم تستطع الصمود من شدته و ظلت تصرخ بوجعٍ شديد وهي ترى الدماء تسيل منها بغزارةٍ بغير حولٍ ولا قوة.. هرعت حماتها و بناتها لشقتها ينادون عليها لتفتح لهم الباب، و لكنها عاجزة حتى عن النهوض.. جاء ” أُبَيِّ” في تلك اللحظة و سألهم بصدمة و خوف شديدين وهو يسمع صراخ نورا من الداخل:
“في إيه ؟! نورا مالها ؟!”
خرج ” قُصي ” هو الآخر من شقته على مصدر الصوت، بينما ” لين ” والدتهم هتفت بذعر:
” أنت معاك نسخة من المفتاح، هاته بسرعة يا أُبَيِّ ”
أخرج أُبَيِّ المفتاح و من شدة الخوف و القلق على نورا، سقط منه فانحنى قُصي و فتح لهم الباب و ابتعد هو مراعاة لغض البصر عن زوجة أخيه..
هرع أُبَيِّ نحوها فوجدها تجلس في الحمَّام بتعب شديد باديًا عليها، و الدماء تسيل منها.. شهق بهلع و فزع عليها و هتف وهو يحملها بين ذراعيه و يركض بها للخارج تجاه سيارته:
” نورا.. نورا فتحي عيونك.. نورا حبيبتي.. نورا متخافيش أنا جنبك ”
لم يستطع منع نفسه من البكاء على حالها، بينما هي غابت عن الوعي بين ذراعيه، و انطلق
” قُصي ” بالسيارة تجاه المشفى وهو يردد بخوفٍ عليهما:
” يارب سلم، يارب استر ”
بينما أُبَيِّ ظل يضرب خدها برفقٍ وهو يقول بدموعٍ كثيرة:
” حبيبتي فوقي.. إن شاء الله مش ها يحصل حاجة، نورا فتحي عيونك.. ”
وصل قُصي لأقرب مشفى و تم اسعاف نورا سريعًا، و بعد فحص الطبيب لها أخبرهم أنها فقدت الجنين و في الشهور الأولى يحدث الاجهاض لحالات كثيرة إما بالاسباب أو بدون، و نورا فقدت جنينها بدون اسباب، لربما أنه شر لها لذلك لم يكتمل، فكل ما يفعله الله لنا هو خير و علينا تقبله و الرضا به.
هكذا أخبرهم الطبيب، فأخذوا يرددون الحوقلة، و اتجه أُبَيِّ بقلبٍ مفطور على زوجته يحاول حبس دموعه حتى يظهر قويًا أمامها، فهي الآن بحاجة ماسة له و لدعمه..
بعدما استرجعت وعيها و تمت عملية « الكحت» لازالة الأنسجة المتبقية من الرحم بعد الاجهاض و تنظيفه من بقايا أثار كيس الحمل، ظلت تبكي لساعات و أُبَيِّ بجانبها يحاول تهدئتها بشتى الطرق، فقال بدموعٍ هو الآخر:
” حبيبتي ربنا بيعمل لنا الخير، ممكن لو كان كمل و اتولد كان تعبنا في تربيته أو نزل طفل مش معافي، ممكن الحمل ده لو كان كمل كان أثر على صحتك أو يكون حمل مش صحي أصلًا، و أنتِ عندي أهم من أي حاجة يا نورا، أنتِ عندي أهم من الدنيا باللي فيها يا حبيبتي، قولي الحمدلله و ربنا ها يعوضنا والله، ربنا عوضه جميل يا نورا، قولي الحمدلله يا حبيبتي ”
دفنت رأسها في صدره و ظلت تبكي و هي تردد
” الحمدلله ”
بينما والدتها ضمتها لصدرها و أخذت تواسيها بالكلمات هي الأخرى، أما ” زياد ” شقيقها لم يكن دوره أقل من دور زوجها، فأخذ يذكرها بأن الابتلاء محبة و رزق من الله، و علينا الصبر و الرضا.. كانت تعرف كل ذلك لكنها حزينة، أكل الحزن قلبها على جنينها و ظلت تبكي في صمتٍ حتى نامت بين ذراعيّ زوجها.
إن الله عز وجل لا يبتلي المؤمن لهوانه عليه، ولكن ليرفع درجته ويكفر عنه سيئاته، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: “ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها”. ومن حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله أي الناس أشد بلاءً ؟ قال: “الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خُفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة “.
ومن رحمة الله بالصابرين أن الفرج منهم قريب ولن يغلب عسر يسرين:
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 5-6).
فما شدة يوما وإن جَلَّ خَطبها بنازلة إلا سيتبعها يسر
وإن عسرت يوما على المرء حاجة وضاقت عليه كان مفتاحها الصبر
قال عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر:
(ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكان ما انتزع منه الصبر، إلا كان ما عوَّضه خيرًا مما انتزع منه، ثم قرأ: {ِإنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}(الزمر: 10).
و من أصول الإيمان أن نعتقد أن الله تعالى حكيم في جميع أفعاله؛ لا يفعل شيئًا إلّا لحكمة تامّة؛ عَلِمَها مَنْ عَلِم، وجَهِلَها مَنْ جَهِل؛ ومن ذلك إنزال البلاء بالعباد؛ فاللهُ تعالى لا يُنْزِل البلاءَ عبثًا، حاشاه -سبحانه-، و إنما يُنْزله لحِكَمٍ عظيمة جليلة بيّنَها في كتابه وسُنة نبيّه صل الله عليه وسلم.
كما أنّ الله تعالى قد ابتلى الأنبياء والمرسلين، وهم ليسوا عصاة ولا مذنبين فيُظنّ أنّ ابتلاءهم عقاب لهم، وقد غفر اللهُ لرسوله صل الله عليه وسلم ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومع ذلك كان صل الله عليه وسلم أشدّ الناس بلاءً، وكان ذلك في أغلب أحوال الأنبياء لرفع درجاتهم و ليتأسَّى الناس بصبرهم وحُسن بلائهم؛ قال تعالى:
{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ}[الأنعام: 34].
فما تعرض له النبي -صل الله عليه وسلم- و مَن سبقه من الرسل لم يكن عقوبة ولا مقابل ذنوب فعلوها؛ و إنما ذلك سُنة ماضية من الله تعالى يعقبها رفعة من الله لأوليائه بصبرهم على البلاء، وذلك بنصر رسله و إعزاز دينه وأهله العاملين به الصابرين في البأساء والضراء المجاهدين فيه.
و مرت أيام أخرى عليهم جميعًا، فقد تقبلت نورا الأمر بفضل زوجها و حنانه البالغ عليها، فكان يدللها بمختلف الطرق، حتى استطاع اخراجها من حالة الحزن التي داهمت قلبها لأيام، و عندما علمت ” رحمة ” بالأمر من خلال ” ملك “، توجهت سريعًا بسيارتها لمواساة صديقتها و الاعراب عن مدى أسفها و دعمها بالكلمات الحنونة مثل قلبها، و قبل أن يراها ” قُصي ” سارعت بالمغادرة.
و ها قد جاء اليوم الموعود لشهد و زين، فمنذ اسبوعين ظهرت نتيجة الثانوية العامة و نجحت
” شهد ” بحصولها على « ٩٦ ٪ »، و الآن تقف في غرفتها ترتدي فستانها الأبيض الرقيق الخاص بكتب الكتاب وهي تنظر للورود الحمراء من حولها التي أحضرها لها ” زين ” و كتب رسالة مع كل باقة ورد، فمثلًا إحدى الباقات مكتوب بداخل رسالتها:
” أنتِ كالنور، تملئينَ كُلّ شيء، و أكثرهم قلبي ”
و أخرى مكتوب بها:
” أنتِ بكل البنات يا ست البنات ”
و غيرها:
” زين ما بقاش زين غير لما حبتيه ”
” عيناكِ اقتباسٌ من جمال فلسطين، عيناكِ مِحرابٌ للقُبل و مرآة الجمال لعيناي ”
تواجدت ” رحمة ” في تلك المناسبة السعيدة، و استطاع ” قُصي ” بعد شهر و نصف من تذوق للألم و التعب في بعدها؛ رؤيتها أخيرًا.
قبل أن تقع عينيها عليه، خطفها هو بغتةً و دلف بها لاحدى الغرف، ثُم قال بتوسل و استعطاف لها:
” كفاية بُعد بقى يا رحمة، أنا خلاص اتربيت و استويت كفاية ”
استوعبت أخيرًا اختطافه لها من بينهن، فتشجعت و قالت رغم شوقها الشديد له:
” أنا اللي اقرر إذا كنت اتربيت ولا لأ، و بعدين دول شهر و نص بس، لسه بدري على المدة اللي حددناها.. يا ترى بقى حسيت باللي كنت بحس بيه بسببك ؟! ”
حاول تقبيلها فناولته صفعة اعادت له وعيه و هتفت بصرامة:
” لأ يا قُصي لأ.. لازم تستوي على الآخر خالص، و ساعتها أنا اقرر إذا كنت عاوزة اكمل معاك ولا لأ ”
اتسعت عينيه غير مصدق قرارها الأخير، و تساءل بصدمة:
” يعني بعد المدة ما تخلص احتمال ما ترجعيش ليا ؟! ”
أومأت بنظراتٍ واثقةٍ عكس قلبها الذي يخبرها بأن ترمي بجسدها بين ذراعيه و تخبره كم اشتاقت له، و لكنها أبت الانصياع لرغبات القلب، فقال وهو يحتوي وجهها و يتوسلها عدة مرات:
” لأ عشان خاطري، أنتِ مش ها تعملي فينا كده، إحنا بنحب بعض، و الله بحبك صدقي بقى ”
أنزلت كفيه من على وجهها، و قالت بفتورٍ:
” هحاول ”
ثم تركته في كامل دهشته و صدمته، و خرجت تستكمل الاحتفال مع الفتيات، و ظل هو داخل الغرفة يندب حظه و يفكر في أي طريقة يرضيها بها، فقد ذبل وجهه و قل وزنه في تلك الفترة من كثرة حزنه و تفكيره، و لم يعد يلق بالًا لتحقيق اختراعه، كل هدفه الأول الآن هو نيل رضاها، و من ثُم يباشر السعي وراء طموحه إذا كان ذلك مكتوب في قدره.
أما بالخارج في حديقة المنزل المزينة بأناقة، جلس ” زين ” بجانب المأذون و من حوله بقية رجال العائلة.. ظل يردد في سعادةٍ لا مثيل لها:
” شهد ها تبقى مراتي إن شاء الله، شهد كمان شوية ها تبقى مراتي.. الحمدلله الحمدلله يارب بارك لي فيها و اجعلني لها خير الزوج الصالح ”
ظهرت الجميلة شهد أخيرًا تتأبط ذراع شقيقها الأكبر ” أُبَيِّ” و مجاهد يستقبلها منه بسعادةٍ ليجلسها بجانبها و همس لها وهو يطوق كتفيها:
” زي القمر يا حبيبة بابا ”
” شكرًا يا بابا ”
سمعه زين فهتف بعفويةً جعلت سيف و بدر يتبادلان الضحك في صمت:
” أحلى من القمر كمان يا عمي ”
تبسمت هي و أخفضت رأسها بخجلٍ، بينما مجاهد رد بغيرة مزيفة:
” ما تظبط حالك يا هندسة ”
أخفض رأسه هو الآخر بخجلٍ، فهو بطبعه سريع الخجل و عفوي في معظم الوقت.
و باشر المأذون كتب الكتاب، فوضع زين يده في يد مجاهد، و انهى المأذون الموجب قوله ليقول بابتسامة متواضعة:
” بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما في خير ”
تعالت أصوات الزغاريد التي اطلقتها عائشة من الداخل، حتى شعر بدر بالخجل و أخذ يحك رقبته بخفةٍ، و بعد لحظات انطلقت مفيدة هي الأخرى بزغاريد متتالية، ثُم تعالت كلمات الاناشيد الخاصة بتلك الليلة..
« قولوا ما شاء الله
ويا رب تعيشوا أحلى سنين (ما شاء الله)
قولوا ما شاء الله
ويا ما أحلى زوجين صالحين (ما شاء الله)
ربنا يجمعكوا ويا بعض في الجنة
ربنا يجعلكوا طول العمر متفاهمين»
تسلل ” زين ” من بينهم وهم يتناولون المشروبات الباردة، و اختطفها من مكانها لغرفتها دون الاهتمام بنظرات النساء له، فهتفت عائشة وهي تستعد لعرضها الشرقي الراقص:
” سيبكم منهم و ركزوا معايا ”
أما بداخل الغرفة.. وقف أمامها يتأملها لدقائق عن قربٍ شديد لأول مرة، و قلبه لا يكف عن الخفقان من شدة ارتباكه، بينما هي ظلت تفرك يديها في بعضهما بخجلٍ كسا وجهها بالكامل، فمد يديه يحتوي يديها و تجرأ أخيرًا ليضع قبلة صغيرة في كفيها، و ابتعد يقول بسعادةٍ:
” أنا عمري ما كنت فرحان زي دلوقت، حتى لما عرفت إنك بتحبيني كنت برضو لسه خايف، مش عارف من إيه بس خايف و خلاص، و النهاردة مبقتش خايف، خلاص أنتِ بقيتِ معايا و دايمًا معايا بإذن الله ”
صمت يتنهد بحُبٍ، و تابع:
” لمحتِ لي إنك بتحبيني، بس ما سمعتهاش منك.. ممكن أسمعها دلوقت ؟ ”
رفعت وجهها لتتأمله عن قربٍ لأول مرة هي الأخرى، و همست بخجلٍ فتن حواسه أكثر:
” بحبك ”
” و أنا بحبك ”
عقب قوله بضمها إليه بحنانٍ ممزوجٍ باللينٍ و الرفق، ثُم لثم قبلة عميقة على جبينها ليقول:
” مُبارك عليا أنتِ ”
تشجعت و ابتلعت ريقها لتقول:
” مُبارك عليا أنتَ ”
و انتهت أمسية أخرى من الأمسيات السعيدة على الجميع، و لكن تلك الليلة شكلت نقطة فارقة في حياة ” رحمة “، فبعدما تقبل الجميع فراقها عن قُصي، و علموا جميعهم أنها فعلت ذلك لتجعله يشعر بقيمتها؛ نجحت ” عائشة ” في خوض حديثٍ مهذب و ليِّنٍ معها عن الحجاب في آخر اليوم من انتهاء الاحتفال.
و في الحقيقة استمعت لها ” رحمة ” باهتمام فقد تمنت من قلبها لو تجد أحد يحدثها عن دينها بكل نواحيه، و رغم أنها تعلم أن الحجاب فريضة على المرأة المسلمة مثلها مثل الصلاة و الصوم، لكنها لم تكن لديها الشجاعة الكافية لأخذ تلك الخطوة، و حديث عائشة قد ساعدها كثيرًا في التفكير بالأمر باستمرار و التضرع لله ليهديها للاحتشام..
ذكرتها و أخبرتها بأن الحجاب الشرعيّ أمرٌ إلهيّ واجب الاتّباع، ولا يخضع لهوى النّفس، والمرأة المسلمة بحجابها تستجيب لأمر الله -سبحانه وتعالى- الأعلم بما يصلح حالها، و أن تعلم أن حجابها دليل على طهارة قلبها، و مظهر من مظاهر إيمانها بالله تعالى، و أن الحجاب صفة لازمة للحرائر، أمّا التّبرّج و التّكشّف فهو مظهر اشتُهرت به الإماء، وشتّان بين التّشبّه بينهما.
و محافظتها على الحجاب دليل على احترامها لذاتها، وتقديرها لمكانتها التي أكرمها الله تعالى بها، ومظهر من مظاهر تعظيم حرمات الله عزّ و جلّ.
و بعد أسبوعٍ آخر من تلك الأحداث، اجتمع ” بدر”
مع الصبية في المسجد بعد صلاة العشاء لدرسٍ جديد، و الدرس تلك المرة عن التوبة النصوح و الرجوع لله بعد كل ذنب..
بدأ الدرس بالصلاة على رسول الله و بابتسامة بشوشة كاد أن يسألهم سؤال، و لكن عينيه تعلقت على دخول ” قُصي ” المسجد بعدما خرج منه بعد تأدية الفريضة.. عاد و جلس خلف الصبية بمسافة قليلة و عينيه تخبر ابن عمه أن يستكمل الدرس، فتبسم الأخير له و التفت للصبية يسألهم:
” حد يعرف يعني إيه يا ولاد توبة نصوح ؟ ”
رفع صبي يده للاجابة فسمح له بدر ليقول:
” يعني نية التوبة تكون خالصة لله ”
أومأ بدر باسمًا:
” أحسنت بارك الله فيك و فيكم جميعًا ”
ثُم اختلس نظرة على ” قُصي ” فوجده يتأمل الصبي بابتسامة جميلة، فيبدو أنه جاء بنية التوبة الخالصة لله من كل ذنوبه..
استكمل بدر الدرس يقول:
” الله سبحانه يا حبايب بدر، هو الذي سمى نفسه التواب و أخبر أنه
(يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة 222
فلو شاء لخلقنا ملائكة لا نعصي لكنه خلقنا بشرًا نصيب و نخطئ و نستغفر و نتوب؛ فيتوب الله علينا، فلابد لأسماء الله الحسنى أن تعمل عملها فإن من أسماء الله تعالى: الغفار و العفو و التواب، فإذا كان الإنسان متطهرًا لا يذنب فعن من يعفو الله و على من يتوب الله و لمن يغفر الله ؟!
ولهذا جاء في الحديث الصحيح
” والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا فتستغفروا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ” رواه مسلم عن أبي هريرة..
يعني يا حبايبي إحنا البشر بطبيعتنا بنعمل ذنوب و معاصي كتير، بس هل ده معناه نكبر دماغنا و ما نرجعش لربنا و نعترف بذنوبنا ؟! لأ طبعًا.. ربنا وعدنا بالمغفرة لو توبنا و رجعنا له نادمين.
و لذلك سُئل بعض السلف: هل إذا تبت تاب الله عليّ ؟ قال:
بل إذا تاب الله عليك تبت، أما قرأت قول الله تعالى (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) أي أن توبة الله عليك أسبق من توبتك إليه، ومعنى توبة الله عليك أن يوفقك إلى التوبة، ما دام قد حركك لتتوب وتندم وترجع إليه فهذا دليل على أنه قد تاب عليك.”
تساءل صبي آخر بلهفة:
” أستاذ بدر هو سيدنا آدم غلط عشان كده ربنا خرجه من الجنة ؟ ”
أومأ بدر يثني عليه لسؤاله و ربت على شعره بحنوٍ، ليقول:
” إن آدم أبا البشر أخطأ ونسي ولم يجد له الله عزما، ولكنه سرعان ما راجع نفسه، وعاد يقرع باب ربه، ويقول:
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف:23
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة:37.
التوبة هي الممحاة التي منحها الله للإنسان، ليستطيع أن يغسل بها ذنوبه، وأن يتطهر بها من ماضيه، وأن يتحرر من آثاره، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}النور:31.”
ظهر صوت قُصي تلك المرة يتساءل:
” و بعد ما أتوب، إيه اللي المفروض أعمله عشان مرجعش للذنب ؟ ”
ابتسم له بدر و أردف:
” أن تعمل صالحًا بالفعل، مكان السيئات تبدِّلها حسنات و صالحات، تُغيِّر ما كنت عليه… بدل قول الزور تتكلم الحق، إذا كنت تغتاب المسلمين فلتجعل من حسناتك أن تدعو لهم، وإن كنت تؤذى الناس فليكن من حسناتك تقديم النفع للناس، بدل عمل السوء تعمل صالحًا، بدل بيئة السوء تُغيِّرها إلي بيئة حسنة، بيئة صالحة، تُساعدك على فعل الخير.. ومن هنا جعل القرآن بعد التوبة.. الإيمان و العمل الصالح يقول الله تعالى:
{إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عملاصَالِحًا} الفرقان. ”
أومأ قُصي بتفهم، و تابع بدر الدرس:
” إيه بقى اللي بيأخر الناس عن التوبة ؟ التسويف.. يعني إيه التسويف.. حد عارف ؟ ”
بدأ قُصي بالتفاعل معه و رفع يده مبتسمًا ليقول:
” زي مثلا افضل أقول سوف أتوب غدًا، سوف أتوب بعد ساعة، و أنا أصلا مش ضامن عمري في اللحظة اللي بتكلم فيها ”
أكد بدر على إجابته بقوله:
” أحسنت بارك الله فيك و فيكم جميعًا ”
نظروا له الصبية بابتسامة واسعة فهم يعرفونه، ليقول صبي من بينهم بعفوية ضحك لها بدر:
” عمو قُصي قص شعرك عشان ممكن تخبط في الحيطة و أنت ماشي زي أخويا الصغير ”
ضحك قُصي بخفة و قال:
” حاضر من عنيا، ركز يلا في الدرس ”
استكمل بدر الدرس قائلًا:
” إن الذي يُؤخر الناس عن التوبة عدة أمور:
أولها: التسويف:
التسويف يعني اعتقاد الإنسان أنه لا يزال له في العُمر مُتسع، وفي الحياة مدى بعيد.
فابن العشرين يظن أن أمامه مُتسع ومثله ابن الثلاثين وابن الأربعين.. كل إنسان عنده طول أمل، و هذا للأسف يُضيِّع على الناس فُرص التوبة، فمَن الذي يدري أيعيش اليوم أم لا يعيش ؟
مَن الذي يدري إذا خرج من بيته أيعود إليه حيا أم يعود إليه ميتًا ؟ أيعود إليه حاملًا أم يعود محمولًا ؟! ”
و بعد انتهاء الدرس و الإجابة على أسئلة الصبية، نهضوا للذهاب لبيوتهم، و ظل قُصي جالسًا بشرود فاقترب منه ابن عمه و تساءل بهدوء:
” بقى لك فترة مش كويس، مالك ؟ ”
تنهّد هو بحُزنٍ و قال:
” غلط في حق نفسي كتير، بس الحمدلله إني رجعت أفوق الحمدلله، و مراتي بقالها شهرين بعيدة عني، بس أنا السبب أنا أستاهل، بس وحشتني أوي يا بدر.. مش عارف أعمل إيه ”
” حسسها انك غلطت في حقها، روح لها المكان اللي هي فيه و اعتذر لها مرة و اتنين و تلاتة من غير ملل، جيب لها ورد و فرحها بكلمتين حلوين، جيب لها شوكولاتة و اكتب لها رسالة حلوة معاها، متزهقش ولا تمل من المحاولة ”
صمتا كلاهما للحظات كان هو يفكر فيها، بينما بدر قال:
” كنت عاوز أقولك على حاجة مهمة كل مرة بنسى اقولك ”
” حاجة إيه ؟ ”
” لما كلمتني فديو و قولت لي إنك مهكر تليفون أبوك.. ده كده اسمه تجسس و ربنا سبحانه نهانا عن التجسس بجميع اشكاله لأنه بيعتبر خيانة للمجالس.. الرسول صل الله عليه وسلم وصانا باحترام أمانة المجالس
قال رسول الله ﷺ وهو يَصِف أيام الهرج والفتن ( وكأنه بيننا اليوم ) بقوله:
“حين لا يأمَن الجليسُ جليسَه”
وقال الحسن البصري – رحمه الله -: ” إنما تُجالسوننا بالأمانة، كأنَّكم تظنُّون أنَّ الخِيانة ليست إلاَّ في الدِّينار والدِّرهم، إنَّ الخيانة أشدَّ الخيانة أنْ يُجالسنا الرجل، فنطمئن إلى جانبه، ثم ينطلق فيسعي وينقل مع سمع منا.. مينفعش تهكر تليفون أبوك و تسمع مكالماته مع الناس، ده ذنب يا قُصي لازم تتوب منه يا حبيبي بسرعة ”
رد بتفهم و عقلانية:
” أنا عارف إنه غلط و على فكرة مبقتش اتجسس عليه، و حاضر مش هعمل كده تاني ”
” ربنا يغفر لنا جميعًا، قوم بينا نروح يلا ”
نهض بنفيٍ:
” لأ، ها صلي ركعتين توبة لله الأول ”
_____________.
و يمر يومين و يأتي اليوم الموعود للكابتن ماجد خاصتنا و روان..
ارتدت ” روان ” فستانًا رقيقًا للغاية لائم بشرتها السمراء الجميلة و ظهر سيف بطلته البهية في ذلك اليوم، و على طريقة زفاف بدر و عائشة، كان زفاف سيف و روان، فقد حضر معظم لاعبو النادي الأهلي، و تولى بدر الانشاد لشقيقه في ليلة زفافه..
تركهم سيف و تسلل لطابق النساء ليقوم بالاتصال على والدته، فجاءت له تتساءل:
” أنت سايب الناس و جاي تعمل إيه ؟ ”
” يعني الناس ها تتوه !، عاوز روان ”
لمحته روان وهو يقف على باب القاعة، و ما إن أشارت له؛ هرول لها سريعًا و جذبها لمكانٍ مخفي عن الأعين، ثُم قال غامزًا بوقاحة:
” ما تفكك من الناس دي و تيجي نروح ”
” لأ روح أنت أنا فرحانة بالفرح ”
قالتها بسعادة، فـَرد بدهشة منها:
” أروح أنا ! أروح لوحدي ! ليـه هو أنا متجوز نفسي ؟! ”
تركته و حاولت الخروج قائلة:
” سيبني بقى يا سيفو.. عاوزة أرقص ”
عرقل طريقها بجذبها من ذراعها ليوقفها أمامه قائلًا:
” تعالي هنا، ده على أساس إنك بتعرفي ترقصي يعني ! ”
” أهو اتعلمت شوية ”
” طب وريني الهي ما يوقعك في ضيقة ”
صاحت وهي تدفعه في صدره:
” بطل جنان بقى و سيبني أخرج ”
” مش قبل إما أقولك كلمة سر الأول ”
تنهدت بنفاذ صبر و تساءلت:
” كلمة إيه ؟ ”
بعد دقائق، خرج و اتجه يجلس مكانه كأنه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، لم يفعل شيء البتة، فلمحه زين و أشار جانب شفتيه بدهشة:
” سيف.. في حاجة زي لون الكشمير كده جنب بوقك، استنى اجيب لك منديل ”
بينما قُصي حينما رآه تهالك على نفسه من الضحك، و لأول مرة منذ شهرين يضحك من قلبه هكذا، ظل يشير لشفتيه و يقول:
” امسح الروج يا مستعجل ”
وضع يده على فمه و همس له بهروب منه:
” روج إيه ! اتلم يا قُصي.. ده من الجاتو ”
و مر الزفاف سعيدًا عليهم بالأخص العروسين.
___________.
في ليلةٍ ما، قرر ” قُصي ” نيل قلب ” رحمة ” بمحاولات عدة كما أخبره بدر، فقرر المخاطرة و لعب دور اللص بالقفز و التسلل لفيلا منير الأنصاري، و هبط على كاحله مما جعله يتألم بشدة، و لكنه نفض عنه شعوره بالألم، و مضى يتسلل بحذرٍ لداخل الفيلا فوجد الأبواب موصدة باحكام، عاد ولم يجد مفر سوى التسلق على مواسير المياه الملحقة بالجدران، و أدرك غرفتها من المصباح المضاء بها و خيالها القصير، فقفز للشرفة و دفع بالنافذة الطويلة التي لم تغلقها هي جيدًا، لتشهق بفزعٍ فما كان منه إلا أن يكتم فمه سريعًا، و ظلا لدقائق يتبادلان النظرات المندهشة منها و المشتاقة منه، ليهمس لها أمام وجهها:
” وحشتيني.. بُعدك مطلع عيني، خلاص مبقتش قادر ”
أنزلت يده من على فمها ببطءٍ و أخذت تستوعب ببطء تواجده في غرفتها، فتساءلت بدهشة لم تتركها منذ دخوله:
” أنت جيت هنا ازاي ؟! ”
” أنتِ قولتي لي امشي ورا قلبك، مشيت وراه و جابني لهنا ”
عادت للجفاء فقالت:
” طيب لو سمحت امشي عشان متحرجنيش قدام ماما و عمو، لو حسوا بوجودك أقولهم إيه ؟! ”
” زوجك و جاي يطمن عليكِ ”
” جاي من على مواسير المايه ! ”
أحاط وجهها و بدأ توسلاته لها:
” طيب إيه اللي يرضيكِ و أنا أعمله ؟ ”
ابعدت كفيه عن وجهها، و أدارت له ظهرها لتقول بصرامة مزيفة:
” تمشي من هنا دلوقت ”
اقترب من خلفها و وضع قُبلة رقيقة على رأسها هامسًا:
” مش هقدر، اللي إحنا بنعمله ده غلط، مينفعش زوج و زوجة يبقى ده حالهم، ده ضد الشرع و الدين يا رحمة ”
استدارت له و بادلته الهمس بسخرية:
” دلوقت عرفت إني زوجتك ! ”
” عقابك ليا زاد عن حده، أنتِ قدرتي تتحملي قسوتي خمس شهور، و أنا مقدرتش في شهرين.. أنا بعترف إنك أقوى مني في حاجات كتير، و أنا ضعيف قدامك و مش هقدر على البُعد اكتر من كده ”
قالها وهو على وشك الانهيار أمامها حرفيًا، فقالت بقلبٍ حنون:
” خلاص خليك النهاردة و بعد كده امشي متجيش خالص ”
شدها نحوه و تساءل بهمسٍ:
” خالص ؟”
أخفضت رأسها و همست بنفي:
” لأ، لحد منا أقولك تيجي ”
لاحظت اقترابه الشديد منها، فابتعدت عنه بشجاعة و أشارت له نحو الأريكة الكبيرة في غرفتها:
” نام على الكنبة دي ”
أومأ مستسلم لها تمامًا، بينما هي اتجهت لتنام على فراشها، و احتضنت دميتها التي تلازمها منذ الصغر، فلاحظ هو ذلك و تساءل بفضول:
” بتحبي العرايس اللعبة ؟ ”
ردت بنعاسٍ:
” دي مش أي عروسة، دي روز.. صاحبتي من الطفولة ”
” طيب بتحبي إيه تاني ؟ ”
تساءل بها على أملٍ أن تخبره بما تحب، فقالت بتلقائية و هي تنجرف في النوم العميق:
” المشبِّك ”
تبسم هو هامسًا لنفسه:
” حتى أمنياتك لطيفة زيك ”
ظل يراقبها بحُبٍ حتى غابت في النوم بالفعل، و انتهز هو الفرصة لينهض و يأخذ دميتها منها بحذرٍ، ثُم عدَّل من وضعيتها ليجعل رأسها على ذراعه، و لم يترك الدمية من يده ليثبت لها أن كل شيء تحبه يحبه هو أيضًا.
استيقظت في الصباح، لتجد نفسها تمامًا في مقابلة وجهه الجميل، فداعبت خده بلُطفٍ و رفعت له شعره لتداعب رموشه حتى استيقظ بفعل فعلتها، و فتح جفونه ليقابل وجهها البريء..
تبسم لها بعفوية و حُب و همس:
” ده أحلى صباح أنا صحيت عليه ”
” قوم يلا عشان تمشي قبل ما حد يصحى ”
قالتها بسعادة بعدما لاحظت تمسكه بدميتها حتى أثناء النوم، و تابعت:
” شكلي كده ها اسامحك ”
نهض ليجلس هاتفًا بفرحة ناطقة:
” بجد ! خلاص سامحتيني ؟! ”
” بقول ها.. لسه هفكر ”
” هصبر عشان أنتِ تستاهلي يا رحمة ”
قالها و طبع قبلة على راحة يدها، ثم غادر عبر بوابة الفيلا بمساعدتها.
و بعد عدة ساعات فوجئت هي بواحد من موظفي الفيلا يُقبل عليها و بيده علبة كبيرة مليئة بأقراص المشبك و بداخلها رسالة كُتب فيها:
” مبعرفش أقول كلام حُب، بس لما جيت أحب حبيتك أنتِ.. يارب المشبك يعجبك و يطلع حلو زيك ”
عضت على شفتها السفلية بابتسامة سعيدة، و همست وهي تتناول قطعة صغيرة من المشبك:
” شكله يعورك بس هو بسكوتاية ”
و بعد أسبوعٍ آخر من تلك الأحداث، كان قُصي يرسل لها الرسائل الغرامية يوميًا، أحيانًا أبيات شعر رومانسية لبعض الشعراء و أحيانًا يخبرها بما في قلبه، و أحيانًا يرسل لها هداية مع موظفي الفيلا برسائل غرامية من قلبه، فتظل تضحك بسعادة و تدور راقصة مع دميتها في غرفتها بمشاعر رقيقة عاشقة بصدق.
أما في شقة بدر و عائشة، يقف هو خلفها يمسد على ظهرها بحنان بينما هي تستفرغ في الحوض بتعبٍ واضحًا عليها، و بعدما انتهت؛ غسل لها وجهها برفقٍ و حملها لينزلها على الفراش بحذرٍ، ثُم جلس بجانبها و قال بخوفٍ عليها:
” إن شاء الله هتبقي زي الفل، ماما وهاجر بيقولوا إن ده طبيعي في الشهور الأولى من الحمل، و أنتِ لسه في الشهر الأول، فالأمر ده طبيعي ”
هتفت وهي تحاول ابعاده عنها بضعفٍ:
” ما تكلمنيش تاني، أنا استفرغت بسببك ”
” بسببي أنا ؟! ”
” ايوه.. عشان قولت لك لو جه ولد إن شاء الله نسميه يعقوب قمر الدين دبيازة، أو خالد كشميري
أو خضر كرويتة..
أو حتى اسماعيل احمد عرباوي، و أنت مرضتش عشان كده أنا تعبت ”
ضمها لصدره ضاحكًا بقلة حيلة ليقول:
” اهدي بس دي هرمونات يا عائش.. اهدي يا حبيبتي، أنتِ عاوزة عيالي يطلعوا يدعوا علينا، و بعدين نفترض ربنا رزقنا ببنوتة إن شاء الله ! ”
فكرت للحظات و هتفت باصرار:
” نسميها قمر الدين دبيازة على طول ”
” أنتِ بس لو نمتي لك ساعتين ها تقومي زي الفل، نامي ياحبيبتي.. نامي ”
استدارت له و عانقته من رقبته حتى شعر كأنه سيختنق، و قالت بابتسامة مجنونة:
” احكيلي حدوتة ”
” حاضر، بس ايدك عشان أنا كده هطلع في الروح ”
خففت من لف يدها حوله، و قالت بهمس غامزة له
” إنما أنت مالك كده حلو بزيادة النهاردة ”
” عيونك الحلوين يا عائش ”
قالها ضاحكًا عليها، فصفعته على رقبته و ولت له ظهرها قائلة:
” تصبح على خير، مش عاوزة صوت عشان عندي حلم كمان ساعة ”
ظل لدقائق يضع يده مكان الصفعة بدهشة، ليهتف أخيرًا:
” إيه اللي بيحصل بالضبط ! ”
______________.
أما ” سيف ” و بعد قضاء أيام جميلة مع روان، استعد للعودة لاستكمال المباريات.
يعود الدوري المصري من جديد و ينتظم سيف في التدريبات مع الأهلي، ليخوض غمار المنافسة و ليسابق الزمن في لقب
« كبير الهدافين» لديه من الأهداف أربعة عشر هدف بفارق أربع أهداف عن أقرب منافسيه، و لا يزال الأهلى متصدر الدوري بفارق ثمان نقاط عن صاحب المركز الثاني.
المنتخب الوطني المصري بعد نهاية الدوري سافر إلى امريكا لخوض غمار المونديال العالمي.. مصر في مجموعة البرازيل و المكسيك و ايران، مجموعة متوازنة يصعد فيها الفريق المصري في المركز الثاني بجانب البرازيل صاحبة المركز الاول، و المنتخب الوطني في مواجهة مع السويد في دور الـ ١٦.. سيف كعادته يتألق و يسجل هدف الفوز لمصر في مرمى السويد، ليصعد إلى دور الثمانية، لكن يقف الحلم إلى هذه اللحظات و يخرج الفريق المصري و يودع البطولة بعد مباراة ملحمية أمام الماكينات الألمانية بضربات الجزاء الترجيحية.
~~~~~~~~~~~.
تنقضي أيام و أسابيع و أشهر أخرى عليهم جميعًا، ” نورا ” لا تكف عن الدعاء لله بأن يرزقها ذرية صالحة و زوجها لا ينفك عن دعمها بمختلف الأساليب، أما ” عصام ” قد عقد قرانه على
” ابرار ” الفتاة المحتشمة الخلوقة التي وافقت عليه لأخلاقه العالية أيضًا، و لم يتبقَ سوى أسابيع على حفل زفافه، بينما ” زين ” أقام عرسه منذ اسبوعين و أخذ ” شهد ” لقضاء شهر العسل في العين السخنة، في حينٍ أن رُميساء في بداية شهرها السادس الآن و حملها بذَكر، و عائشة في بداية شهرها الثالث، بينما شمس على مشارف الولادة بأنثى، و توأم زياد و هاجر الآن خطا أولى خطواتهما لتعليم المشي، و إبراهيم شقيق روان أتم العام، و في جهة أخرى إبراهيم إيمير يشغل معظم وقته في العمل؛ حتى لا يختلَ بنفسه و يعود لمكالمة ملك و تعليقها به أكثر، بينما هي كانت تحضر صوره على هاتفها يوميًا و تظل تتحدث معه حتى تذهب في النوم من كثرة البكاء.
خمسة أشهر مرت بأحداثها المتنوعة عليهم، و نال قُصي عقوبته بأسبوع إضافي، فقد أحس في تلك الأشهر التي مضت عليه كأنها سنوات؛ بأنه بالفعل لا يستطيع العيش بدونها، و إذا استكمل حياته بدونها سيموت من كثرة الحزن و التفكير.
وقف أمام المرآة يعدل من ربطة عنقه الأنيقة و ينثر عطره الجذاب، فقد قرر و أصرَّ الليلة على جعلها تسامحه بأي ثمن و المجيء معه للشقة، بينما هي أخذت تتأمل الفستان المثير الذي يشبه تمامًا ذلك الفستان الماروني و التي بدت مثيرة من خلاله في زفاف أختها، و رقصت معه التانغو به.
ساورتها الشكوك و الظنون حول احضاره هدية بهذا الشكل لها، و كأنه يذكرها بما حدث تلك الليلة في الزفاف، فوقعت عيناها على ورقة داخل العلبة التي بها الفستان، و فتحتها لتقرأ ما بها:
” مستنيكِ فوق سطح الفيلا بتاعتكم الساعة تسعة ”
حاول عقلها بترجمة ما يود فعله فلم يستطع، لذلك قررت خوض المغامرة و ارتدت الفستان بشجاعة، لتتأمل نفسها في المرآة و قلبها بدأ يخفق بشدة من هيئتها و تذكرها للرقصة كاملة..
اغمضت عيناها تتنفس بهدوءٍ، ثُم عندما دقت الساعة التاسعة، اتجهت لدرج الفيلا الذي يؤدي إلى السطح الأشبه بقاعة للزفاف من كثرة تنظيمه و تناسقه..
صعدت و أخذت تجوب السطح بالكامل بدهشةٍ كبيرةٍ من تزيينه بهذا الشكل الأكثر من رائع، فقد اتفق قُصي مع والدتها و زوجها لترتيب ما تراه هي الآن.
قام بتزيينه بمختلف الورود الكثيرة و الأنوار الجميلة بمساعدة المختصين، و على الأرضية أيضًا نثر الورود و الأضواء، ثُم وقف هو في المنتصف يستقبلها بباقة من الورود الجميلة مكتوب عليها:
” أنتِ أجمل حاجة في حياتي ”
تجمعت الدموع بمُقلتيها سريعًا، و وضعت يدها على فمها بشهقة خفيفة، فتقدم هو تجاهها و جذبها من يدها برِقةٍ و رفقٍ، ثُم ارتكز على ركبته و قدم لها باقة الورود و أخرج من جيبه علبة قطيفة بلون فستانها، ليفتحها أمامها و يظهر الخاتم الرقيق بداخلها قائلًا بنبرة عاشقة:
” تقبلي تتجوزيني من أول و جديد ”
تأملته للحظات و أومأت أخيرًا بدموع هطلت سريعًا، فنهض و ألبسها الخاتم ثُم وضع قُبلة عميقة على يدها، و أردف:
” مبعرفش أقول أشعار، بس لو اتكلمت عن الحُب هتكلم عنك أنتِ.. بحبك يا رحمة ”
مسحت دموعها و همست بحُبٍ هي الأخرى:
” بحبك يا قُصي ”
ابتعد عنها ليقوم بتشغيل موسيقى خاصة برقصة تعرفها هي جيدًا، ثُم عاد و تأملها باسمًا، فقالت بدهشة:
” تانغو يا قُصي ! ”
” تانغو يا رحمة ”
لتنطفئ جميع الأضواء بعد ذلك بفعل فاعل، إلا ضوء واحد تصلب عليهم.. فظهرت سندريلا بجمالها الرقيق و شارل بوسامته المُلفتة لتبدأ رقصتهما الخاصة..
رقصة تجمع في نسماتها عطر الحُب والقلب..
« التانغو »، اسم يرادف الشغف والعشق، و بسحر التانغو في تلك اللحظة.. تمكنت تلك الرقصة من فتح قلب ” رحمة ” له ثانيةً بأريحية، و تفاعل جسدها مع لمساته، الذي بدا مرن جدًا في التمايل مع ” قُصي “.
اللقاء بين المغرور و الأميرة.. يحدث في اللحظة التي يتبادلان فيها النظرات ومن ثُم تبدأ حكاية طويلة من الحُب الحقيقي.
أبسط قُصي كفه الأيسر عاليًا، فوضعت رحمة كفها الأيمن به برِقة و شغفٍ، وهي تنظر في عينيه بعشقٍ تجلى واضحًا، بينما هو بادلها النظرات بهُيامٍ وعشقٍ أكثر منها، فأحاطها من خصرها بذراعه اليمنى، لتبدأ رقصتهما التي تسببت في زواجهما، وضع قُصي يده خلف ظهرها و همس لها وهو يراقصها:
” أما بعد فليس بعدك بعد ”
و انهى رقصته معها، ليقوم بإحضار علبة أخرى بحجم علبة الساعة، و قدمها لها ليقول:
” دي ساعة تعمل بذبذبات صوت و تسجل كلمة أحبك بصوتي، الساعة دي بتستشعر صدق الكلمة النابعة من القلب و أول ما أنطقها لا إراديًا صوتها بينتقل للساعة بتاعتي، و لما يكون هرمون التوتر عندك عالي مثلا، الساعة بتنطق صوتي و أنا بقولك بحبك عشان اطمنك.. أنا عملتها عشانك ”
أخذتها منه بانبهار بها و أخذت تتفحصها لتقول باعجابٍ شديد:
” جميلة أوي يا قُصي ”
” مش أجمل منك يا روح قُصي ”
رفعت وجهها له تشكره بنظرات امتنان و فخر به، ثم عانقته فحملها و همس لها:
” مش يلا بقى نروح شقتنا ”
بادلته الهمس بموافقة سريعة:
” يلا ”
ابعدها عنه قليلًا يتساءل بجدية:
” بجد سامحتيني خلاص ؟ ”
أومأت بابتسامة راضية:
” كفاية بُعد بقى، لا أنا ولا أنت ها نقدر نتحمل بُعد تاني ”
زاد من ضمه له و أخذ يدور بها كالمجنون و يصرخ بسعادة لامست صوته و هي تضحك معه:
” بحبـــك.. بحبــك يا مفعوصة بحبـــك ”
و تم الزواج أركانه الكاملة تلك المرة، و بعد تعاقب الأشهر و السنوات سنة تليها الأخرى حتى مر ثلاث سنوات و نصف تحمل في طياتها أحداث كثيرة.
” قُصي ” الآن يمكث في امريكا و يعمل على اختراعه بجهد جهيد في وكالة ناسا الفضائية و بمساعدة ” رحمة ” له من دعم و تشجيع معنوي، فكانت هي النور الذي أضاء بصيرته، و سيف ابن عمه رُزق بطفلة جميلة مثله و مثل والدتها و اسماها ” فيروزه ” هي الآن بعمر العامين، أما بدر رُزق بطفلٍ هادئ الطباع جميل الملامح اسماه والده ” سُليمان “، و قد تخرج من جامعته و أصبح مهندس رسمي و كذلك عائشة، و هاجر حامل للمرة الثانية في فتاة، أما ” نورا ” لا زالت تدعو الله بأن يرزقها الذرية الصالحة و كلها أمل في الإجابة.
” إبراهيم ” خطب له والده فتاة من العائلة، و وافق رغم عدم شعوره بالارتياح معها، في حينٍ أن ” ملك ” أصبحت في السنة الدراسية الأولى من كلية الآداب أفضل قسم بها القسم الفرنسي و لم تستطع نسيان إبراهيم أبدًا، بينما شقيقتها
” شهد ” أنجبت طفل منذ عامين و نصف و تم تسميته ” عبيدة ” تيمنا بالملثم المثابر
” أبو عبيدة “، و هي الآن بالسنة الرابعة لها بكلية الطب البشري قسم نساء و توليد.
و كذلك شمس و رحيم لديهما طفل مشاكس بعمر الرابعة اسمه ” عُدي “.
لم يتبق لدينا من فتياتنا سوى ” رُميساء “، أين هي الآن تلك الفراشة الرقيقة !
يا إلهي ! تذكرت.. هي الآن تقوم بولادة طفلها الذكر الثالث، نعم كما سمعت عزيزي.. الثالث !
و لأنها ولدت مراد الطفل الأول ولادة طبيعية، و حملت وهو في الشهر السابع، و أنجبت طفلها الثاني إياد طبيعي دون تدخل جراحي، و حملت بعد ولادته بتسع أشهر في ذكر ثالث، و هي الآن تلد الولادة الطبيعية لها و تمسك ذراع ” كريم ” تعضه و تصرخ بشدة هاتفة:
” مش هسامحك يا كريــم، طلقنــاي ”
وهو يصرخ بألمٍ شديد:
” آه دراعـي.. طب سيبي الدراع ده و خدي التاني ”
و خرج الطفل أخيرًا يبكي بين يدي الممرضة، و رُميساء بدأت تفقد الوعي حتى ثقلت جفونها و ارتخت، فبدت نبضات قلبها ضعيفة، مما فزعت الطبيبة عليها و ظلت تتفحصها بخوفٍ، بينما كريم مسد على شعرها بهمسٍ مرتجف:
” رُميساء.. فراشتي ! ”
فتحت الطبيبة جفونها و قالت بأسفٍ:
” لا حول ولا قوة إلا بالله “
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يناديها عائش)
في نهاية مقال رواية يناديها عائش الفصل الخامس والتسعون 95 بقلم نرمينا راضي نختم معكم عبر زوايا سبورت