من هنا ” رواية شهادة قيد الفصل السادس عشر 16 بقلم دودو محمد
![روايات](https://zawayan.com/wp-content/uploads/2024/10/5223-780x470.jpg)
من هنا ” رواية شهادة قيد الفصل السادس عشر 16 بقلم دودو محمد اتجه ماهر نحو أخيه، فوجدَه واقفًا في وسط الفوضى، مذهولاً، عيناه تتلألأان بالدهشة، وشفاهه ترتجف، كأن الكلمات تعلق في حلقه. صرخ ماهر بعدم تصديق: “نور…..”
كانت نور تجلس على المقعد، يرتعش جسدها من شدة الخوف، كأن كل أوجاع العالم قد تجمعت في تلك اللحظة. اقترب منها مهران بخطوات بطيئة، خطواته الثقيلة كانت وكأنها تسحب معه ثقل أوجاعه. ثم انفجر قائلاً بغضب، وكان صوته يملأ المكان كالرعد:
“طيب ازااااي انتي لسه عايشه؟ طيب والرصاصه اللى طلعت من المسدس وجات فيكى ودمك اللى كان مغرق المكان، والجثه اللى اتشرحت وادفنت، ردي عليا ازاى انتي قصادي دلوقتي؟”
أخيراً، بدأت نور تتحدث بصوت مرتعش، مكسور مثل قلبها الذي كان يتأرجح بين الخوف والأمل، ودموعها تنهمر كالشلالات:
“ا ا انا مموتش يا مهران، انا لسه عايشه، متجوزه راجل بجد قدر يحميني منك. بعد ما كنت متفق معاه علشان تعتدي عليا بس لأنه بيحبني مقدرش يأذيني. انت واحد ندل وجبان، معرفش كنت مخدوعه فيك ازاى وحبيتك، كل ده لييييه، علشان خلصت مصلحتك من بابا، خوفت أكتشف شغلك القذر اللى شبهك، انا مش ندمانه على حاجه في حياتي غير على معرفتك واني فكرت نفسي إني يوم من الأيام حبيتك.”
غضب مهران بشدة، سحب شعره إلى الوراء وكأنما يريد أن يستعدى كل قواه على هذه الفتاة التي كانت تُعاديه، صرخ بصوت جهوري، الذي تردد صداه في فضاء المكان:
“لا، عندك بقى وفهميني كل حاجه حصلت، شكلها كده احلوت اوي معاكم.”
شعر ماهر بالقلق من تهور أخيه، اقترب منه وربت على كتفه في محاولة لتهدئته، وقال:
“مهران، اهدا بس، واحنا هنعرف الحقيقية.”
ركل مهران الطاولة بغضب، وتطايرت الأطباق والأكواب كأحلام منكسرة، ثم صرخ:
“متقوليش اهدا يا ماهر، ولاد الكلب بيلعبوا بيا الكره، قسماً بالله ما هرحمهم…”
ثم استدار نحو نور، أمسكها من شعرها وكأنما هو يعيب عليها خطايا لم ترتكبها، وأرغمها على الوقوف، مزق الصمت محاولاً السيطرة على مشاعره المتدفقة التي كانت كالنيران التي تلتهم ما حولها:
“امشي معايا.”
تكلمت بألم، دموعها تتسلل حارة على وجنتيها:
“اااه، سيب شعري يا حيوان! انا متأكدة إن عاصم لما يعرف اللى عملته فيا ده، مش هيرحمك وهيعرفك مقامك.”
واصل الضغط على شعرها، همس بجوار أذنها بتهديد، وكأن كلمات التهديد كانت تتساقط كالحصى على قلبها:
“وانا هفرجك على عاصم بتاعك ده وهو مذلول تحت رجلي علشان أرحمه من عذابه اللى هيشوفه على إيديا.”
أنهى كلامه بجذبها من شعرها إلى الخارج، بينما كانت عواطفه تجتاجه في دوامة لا نهاية لها.ركض ماهر خلفه، محاولاً منعه ولكن في أعماق قلبه كان يدرك أن شقيقه أصبح غريباً وصعب السيطره عليه. نظر إليه مهران بتحذير، وصرخ بغضب:
“اياك تتدخل يا ماهر، احسن اقسم بالله أولع في الدنيا كلها، وعليّا وعلى أعدائي.”
أنهى كلامه ودفع نور إلى داخل السيارة، بينما كانت أنفاسها تتعالى كعظام مكسورة، أغلق الباب وراءها كأنه يقفل باب الأمل، ثم اتجه إلى الاتجاه الآخر. قبل أن يصعد، أمسك ماهر ذراعه قائلاً بنفاذ صبر، وكأنه يحاول انتشاله من قاع الهاوية:
“يا ابني، انت بقى اهدا شويه، انا سيبك تخرج كل اللى جواك، عارف أن الصدمة كبيرة عليك، بس مينفعش اللى هتعمله ده. انت كده بتخطفها، أنا بتعامل معاك بالود، مش عايز أمشيها ميري، نزلها وتعالى نتكلم بهدوء في أي مكان بعيد عن هنا.”
نظر له مهران بعدم اهتمام، قال:
“اللى عندك اعمله، وهما اللى بدأوا اللعب مع القناص يستحملوا بقي.”
أنهى كلامه وصعد السيارة، مداراً إياها بسرعة جنونية، وكأنما كان يسابق الرياح ليهرب من ما يتخطى القدرة على الفهم. نظر ماهر إلى أثره بضيق، أغلق عينه حتى يهدأ، همس لنفسه:
“شكلك مش ناوي تجيبها لبر يا مهران…”
ثم عاد إلى الداخل، يحاول تعويض أصحاب المكان عن خسائر تهور أخيه، بينما تتراقص في ذهنه الكثير من التساؤلات والمخاوف حول مستقبلهم بعد هذه المفاجأة المروعة التي لم يكن يتوقعها في أسوأ كوابيسه.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»
بعدما تجهزت مهره، هبطت إلى الأسفل لتجد عاصم جالسًا في ركن خاص به، يحتسي قهوته. لقد كان يجلس هناك بهدوء، عينيه تتنقلان بين صفحات كتاب مفتوح أمامه، وكأن العالم من حوله لا وجود له. أغلقت عينيها بتوتر شديد، وتحركت سريعًا نحو الخارج، حيث كانت صديقتها المقربة ساره في انتظارها، تراقب حركة المكان بأعين شغوفة. اقتربت منها بخطوات مترددة وكأن كل خطوة تشدها إلى أعماق قلقها، وقالت بصوت خافت:
“ص ص صباح الخير.”
نظرت صديقتها إليها بعدم ارتياح وأجابت:
“صباح النور، اتأخرتي كده ليه؟ أنا كنت هطلعلك، لما مردتيش عليا.”
كان عدم ارتياح ساره واضحًا، إذ كانت تعرف مهره جيدًا وتعشق تفاصيلها. لم يكن الأمر مجرد تأخير عادي، بل كان يؤشر إلى شيء أعمق. تكلمت مهره بتلعثم، محاولًة تبرير موقفها:
“ها… ك ك كنت باخد شاور لما رنيتي، وجهزت ونزلت على طول.”
كان صوتها يرتجف، ممزوجًا بفزع لم تستطع إخفاءه، بينما كانت عينيها تبحثان عن أي عذر يمكن أن يبرر ما حصل. ضيقت عينيها بعدم تصديق وقالت:
“مالك يا مهره متوتره ليه كده؟”
كانت عواطف ساره تتأرجح بين القلق على صديقتها والرغبة في مساعدتها للخروج من تلك الدوامة. تجنبت نظرها، لأنها تعلم جيدًا أنها ستشعر بالخجل أمام صديقتها، وأجابت بتلعثم:
“م م مالي يعني، م م ما انا كويسه اهو.”
لكن الكلمات لم تكن كافية لإخفاء ما يعصف بقلبها، والفوضى التي تسور مشاعرها. سألتها صديقتها:
“انتي شوفتي عاصم النهارده؟”
تنبهت ساره، وبدت أسئلتها حادة وواضحة كما لو كانت تعبر عن قلق عميق. نظرت لها بتوتر وأجابت بكذب:
“ها… لا طبعا، بتسألي ليه؟”
في تلك اللحظة، كان مزاجها المشتت يتعارض مع كلماتها، وحساسية الموقف تجعلها تكافح من أجل الحفاظ على هدوء ظاهر. زفرت بضيق، وتكلمت بنفاذ صبر:
“مهره فؤقي، عاصم ده مش من توبنا ولا شكلنا.”
كانت تراقب عيني مهره بتركيز عميق، محاولة أن تدخل إلى عالمها وتكشف عن الحقيقة المخبأة.
“وواضح عليه أوي أنه بتاع بنات وبيحب يتسلى بيهم. انتي امبارح قولتيها، انتي بنت رجاله ومستحيل تقبلي انك تكسريهم. ارجوكي فؤقي من الدوامه اللى انتي فيها دي. أقولك على حاجه، أنا شوفت عاصم ده وهو خارج من عندك فى الأوضه. اتصدمت وقولت مستحيل مهره تعمل كده.”
كانت كلماتها موجعة، تسجل كل خيبة أمل في قلبها وأمل أن تكون صديقتها بخير.
“كنت مستنيه انك تحكيلي زى ما متعودة منك، بس للاسف داردي. ومدام عملتي كده يبقى متأكده انك عامله غلط ومحروجه تقوليه ليا. أنا بسمعك اهو قولي اللى عندك يا مهرة.”
انهمرت دموع مهره بغزارة على وجنتيها، فقد كشفتها تلك الكلمات أمام نفسها. نزعت عن روحها ستار الحب المتخفي، وتعالت شهقاتها وهي ترتمي في أحضان صديقتها، ممسكة بها بقوة كمن يهرب من كابوس يطارده.تركتها صديقتها تبكي، تعطيها المساحة لتغسل وجعها بدموعها. ظلت تربت على ظهرها بحنو، حتى شعرت بسكونها، ثم أبعدتها عن حضنها ونظرت إليها، تحثها على الكلام.استجابت مهره بعد أن هدأت، وبدأت تقص لها ما حدث في الغرفة بينها وبين عاصم.كانت صديقتها تستمع إليها بدهشة، لم تستطع تصديق ما حدث مع مهره، وهي تعلم جيدًا أخلاقها. تكلمت بغضب خفيف قائلة:
“انتي اتجننتي يا مهرة، ازاى تسمحيله يلمسك بالشكل ده ويحصل ما بينكم تجاوزات؟ أنا متأكده من اخلاقك، بس مصدومه فيكي بجد.”
ردت مهره بصوت مرتعش من شدة البكاء:
“أنا مش عارفه عملت كده ازاى. لولا تليفونك فؤقني، كان زماني دلوقتي خسرت كل حاجه. أنا خايفه اجتمع معاه لوحدنا تاني، لأن للأسف، بحس كأني مسحوره وبيحركني بدون اراده مني. خليكي معايا على طول يا ساره، متسبنيش لحظة واحدة علشان مبقاش معاه في أي لحظة.”
أمسكت ساره بيد مهره، وابتسمت لها ابتسامة هادئة، قائلة:
“متقلقيش يا مهرة، أنا معاكي يا حبيبتي ومش هسمح لحد يقربلك لحد ما نرجع من أم الرحلة المشؤومة دي.”
ابتسمت لها مهره بأمتنان وقالت:
“شكرا يا ساره، انتي بجد اجمل حاجه حصلتلي.”
تكلمت ساره بلوم:
“اخس عليكى يا مهرة، وانا اللى مفكره أننا اخوات ومافيش ما بينا شكر.”
احتضنتها مهره بسعادة، وقالت:
“اجمل اخت فى الدنيا، يلا بقى احسن هموت من الجوع.”
وتحركنا سويًا نحو أحد المطاعم.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
جلست ذات على السرير، تشعر بالضيق يحيط بها كالعاصفة. كان المكان مُعتمًا بعض الشيء، والأثاث غير المرتب يضيف إلى شعورها بالقلق. نظرت إلى الساعة بقلق، تفكر في تأخر مهران، الذي وعدها مسبقًا بأنه سيأخذها للخروج في ذلك المساء. كانت تتمنى أن يكون هناك تفسير مقنع لتأخره، لكن كل ما كان يراودها هو الشعور بالخيانة والإهمال. ثم استقامت بجسدها، وصرخت بغضب:
“هو ده اللى وعدني بي يا مهران؟ ماشي براحتك بقى.”
أنهت كلامها، وكانت حنجرتها تحترق من شدة الغضب، ثم تحركت نحو الخارج لتجد شريف جالسًا على الأريكة، يعبث بهاتفه بملل، كأنه يحاول الهروب من الوضع. اقتربت منه وجلست بجواره على الأريكة، محاطة بجو من الكآبة الذي كان يسيطر على المكان.اعتدل شريف بتوتر، ونظر إليها بتساؤل:
“ذات… حاسه بحاجه؟”
حركت رأسها بالنفي، بينما خاطبته بصوت مختنق، يملؤه الغضب والإحباط:
“أنا كويسه، متقلقش بس زهقانه شويه، ومهران قالي هيروح مشوار ويجي يخرجني، بس شكله نسي وهيتأخر برا.”
رد شريف بهدوء، محاولًا تهدئة الأجواء:
“متزعليش، تلاقي حصلت حاجه آخرته، إنما هو مدام وعدك بحاجه هينفذها لو على رقبته.”
نظرت له باستغراب، وسألته، مشبعةً عينيها بالفضول:
“انتوا أصحاب من زمان؟”
أومأ برأسه بالتأكيد:
“ايوه، من ابتدائي، واحنا مع بعض فى كل حاجه.”
ابتسمت له، وعبرت بنبرة عاشقة، تتمنى أن تنقل إليها كلمات تفاؤل:
“طيب ممكن تعرفني عنه كل حاجه، يعني من عيله مين، كان شاطر فى مدرسته ولا لا، كان هادي ولا شقي، حب قبل كده ولا لا، وقبل ما يفتح مكتب حراسه كان شغال ايه؟”
أجابها بتوتر، وكأن ذكرياته مع مهران تثير فيه نوعًا من الحنين:
“بصي، هو من عيلة الشرنوبي، أبوه رتبه كبيرة فى الجيش، وعنده أخ وأخت، اللى انتي شوفتيهم هنا قبل كده، ماهر، وبرضه ظابط فى القوات الخاصه، واخته مهرة فى الجامعه. ومامته ست طيبه جدا. طول عمره شاطر جدا ومجتهد، وكان بيطلع الأول على دفعته وكان هادي جدًا، وملوش كلام مع حد، لكنه كان يحب التحدي في جميع الألعاب. دخل الشرطه، وكان برضه فى القوات الخاصه، وكانت شهرته القناص، وكان من أكفأ الظباط، مفيش حد يشك في كفاءته. بس حصلت مشكله كبيرة، وساب الشرطه وفتح مكتب حراسه، بس كده.”
سألته سريعًا، وكأنها تطلب المزيد من الأسرار:
“طيب ومحبش قبل كده؟”
تنحنح بتوتر، قائلاً:
“م م معرفش.”
نظرت له بعدم تصديق، وسألت بنبرة شغوفة:
“يا سلام، ازاى متعرفش وانت صاحبه من ابتدائي؟”
ابتلع ريقه بتوتر، قائلاً:
“مقدرش اتكلم في حاجه زي كده، دى حياته الخاصه، وهو اللى مفروض يحكيلك، مش أنا.”
زفرت بضيق، وسألته، وقد تشعر بأن هناك شيئًا خفيًا:
“طيب وليه مش عايش مع أهله؟ ليه عايش لوحده فى الشقه دي؟”
أجابها بتوتر، كأنما يحاول أن يضع النقاط على الحروف:
“علشان مش بيتفق هو وأبوه مع بعض.”
وفى تلك اللحظة، تفاجئوا بالباب ينفتح، ويدخل مهران، غاضبًا، ممسكًا بيده فتاة بشعرها المبعثر. نظرت له باستغراب وسألته:
“مهران… مين دي؟”
هدر بها بغضب:
“ملكيش فيه، وبعدين أنا مش قولتلك متخرجيش من أوضك لحد ما ارجع، ايه خرجك منها؟”
نظرت له بغضب، قائلة:
“أنت ازاى تزعقلي كده؟ وبعدين أنا حره، مش هتحبسني فى أوضي ولا هتتحكم فيا.”
ضغط على أسنانه بغضب، وتحرك باتجاه إحدى الغرف، ودفع نور بقوة داخلها، وأغلق الباب من الخارج. ثم عاد مرة أخرى إلى ذات، ونظر لها بغضب، سائلاً:
“انتي ليه عناديه كده، مبتسمعيش الكلمه اللى بقولها ليييييه؟”
استقامت، وعقدت ذراعيها على صدرها، وتكلمت بغضب:
“أنا كده ملكش فيه. روح شوف الهانم اللى جايبها معاك واحكم عليها، إنما ذات الزويدي ملكش حكم عليها، فااااهم.”
أمسكها من ذراعها بغضب:
“لا، ليا حكم عليكى، واكسرك رقبتك كمان، وأنا هعرف أربّيكي من أول وجديد.”
أبعده شريف عن ذات، وتكلم بهدوء، كأنه يحاول بناء جسر من الثقة:
“مهران، اهدا، مش كده يا أخي، مطلعش عصبيتك عليها، هي متعرفش حاجه.”
أغلق عينيه بغضب شديد، قائلاً:
“تدخل أوضتها وتقفل بابها عليها دلوقتي حالا يا شريف.”
تكلمت من خلف ظهر شريف بغضب:
“مش داخله، واللى عندك اعمله.”
نظر شريف لها بترجي، بين الخوف والقلق:
“ذات، علشان خاطري، اسمعى الكلام دلوقتي وادخلي أوضك. مهران متعصب، ولما بيبقى متعصب مش بيشوف قصاده.”
حركت رأسها بالرفض، قائلة:
“برضه مش متحركه من هنا. هو يتعصب على نفسه وعلى اللى معاه، إنما أنا ملوش حاجه عندي.”
أمسكها مهران من ذراعها بغضب، وأرغمها على التحرك معه، ودفعها داخل الغرفه، ودلف معها، وأغلق الباب خلفه، ونظر لها، والشرار يتطاير من عينيه، قائلاً بتحذير:
“لو شوفت خيالك بره الأوضة دي، متلوميش الا نفسك، فاهمه؟”
أنهى كلامه وخرج من الغرفه، وأغلق الباب بغضب، وتحرك باتجاه الغرفه المتواجد بها نور. وقبل أن يدخل بها، توقف على صوت الشريف المتساءل:
“هى ازاى نور عايشه لحد دلوقتي؟”
نظر له بغضب، وكأن مشاعره تتصاعد:
“ما أنا جايبها هنا علشان اعرف منها، يا شريف.”
أنهى كلامه، ودلف إلى الغرفه وأغلق الباب خلفه، ثم نظر إلى نور المرتعدة، قائلاً بهدوء حذر، كمن يسعى لحل لغز:
“أنا عايز أفهم كل حاجه دلوقتي، انتي ازاى عايشه لحد دلوقتي؟”
نظرت له بدموع في عينيها، وفمها مرتعش، وقالت:
“هقولك كل حاجه، بس أنا متأكده ان عاصم هيوصلي، وهينقذني منك، وهينتقملي منك على كل اللى عملته فيا ده، عاصم مش هيسكت.”
تعالت ضحكاته الغاضبة، وكأنما لا يرى شيئًا غير نفسه:
“خوفتيني من سي عاصم بتاعك ده، اخلصي واحكي كل حاجة.”
نظرت له، وبدأت تقص له ما حدث بالماضي، وكل ما عانته من خيبات وأحزان، محملة بكل تفاصيل الألم والخوف، في عالم يبدو غير عادل…
****************************
فلاش بااااك…
وصلت نور إلى المكتب الخاص بمهران بعد انتهاء وقت الجامعة، ولكنها لم تجده. شعرت بالقلق وخرجت تبحث عنه، ولكن فجأة اصطدمت بجسد عاصم. نظرت له بأسف، وقد كانت تشعر بالخجل قليلاً من هذه المصادفة غير المتوقعة، وقالت:
“أنا آسفة.”
ابتسم لها بإعجاب، حيث كانت تُضفي لمسة مشرقة على المكان بوجودها، وقال:
“ولا يهمك يا قمر، انتي جايه لحد هنا؟”
أومأت برأسها مؤكدة وقالت:
“أيوه جايه لخطيبي مهران بس مكانش موجود في مكتبه.”
عاصم، نظر إليها من أعلى إلى أسفل بصدمة، وكأن خبر خطوبتها جاءه من كوكب آخر، وقال بعدم تصديق:
“إنتي خطيبة مهران؟”
أومات برأسها قائلة بتأكيد:
“أيوه، متعرفش هو فين؟”
برغم ارتباك الوضع، كان هناك شيء في عينيها يدعو للاهتمام، مما جعل عاصم يبتسم لها برقة قائلاً:
“تعالي استني في مكتبي، هو في اجتماع مهم دلوقتي، قدامه ساعتين أقل حاجه.”
زفرت بضيق، بينما تلاشت ابتسامتها وضاع شعور الأمل في لقائها بمهران، وقالت:
“لا، خلاص، ده كده هيغيب وأنا هتأخر. ابقى بلغه بقى أن أنا جيت ليه.”
أنهت كلامها وغادرت المكان سريعاً، إذ كان قلبها يخفق بشدة، بينما نظر عاصم إلى أثرها بإعجاب، ثم تنهد قائلاً:
“بقى حتة القشطة دي خطيبة الدغوف اللى جوه ده، ما يستهلهاش.”
أنهى كلامه، واتجه إلى مكتبه، وقد تراودت في ذهنه أفكار متعددة حول الموقف، ولم يكن يدرك كم كان ذلك القرار من الصعب أن يتم تجاهله في الفترات القادمة. بعد عدة أيام، خرج مهران من مكتبه وهو ممسك بيد نور، ونظر إلى عاصم قائلاً بابتسامة:
“عصومي، أنا هروح أخرج خطيبتي شوية علشان زهقانة، وانت خد بالك من الشغل، ولو فيه أي حاجة مهمة اتصل بيا.”
ابتسم له بضيق، وكأن الثورة التي يشعر بها تغلي في داخله، وقال:
“الله يسهله يا عم. ناس ليها الخروجات والفسح وناس ليها الشغل، والعساكر ماشي يا عم، ربنا يسعدك.”
ابتسم له ومضى الثنائي سوياً، يتجولون في الشارع. نظر مهران إلى نور بحب عميق وغامض، وقال بتساءل:
“مبسوطه يا نوري؟”
احتضنته بسعادة، عاكسة كل الأحلام الصغيرة التي تراودها، وقالت:
“أنا طايرة من الفرحة، بحبك أوي يا مهران.”
قبّل يدها بحب، مما جعل مشاعرها تتأجج أكثر، وقال:
“وأنا بعشقك يا قلب مهران من جوه، ها تحبي تروحي فين؟”
أجابت عليه بطفولية وبساطة:
“أنا جعانة أوي، تعالى ناكل الأول وبعد كده نروح الملاهي.”
نظَر إليها بضيق، وكأنه ينتقد تصرفها بعينيه، وقال بتعجب:
“الملاهي!! بذمتك، ده منظر يروح ملاهي؟ الناس تقول عليا إيه، هيبة البدلة هتروح في الأرض بسببك.”
تعالت ضحكاتها، ضحكات تشير لمفاجأة غير متوقعة، وظلت تترجى منه قائلة:
“وافق بقى يا مهران، علشان خاطري، لو مكانش خطيبي حبيبي يحقق لي كل اللي نفسي فيه، هروح لمين بقى؟”
حرك رأسه بنفاذ صبر، في تلك اللحظة أدرك أن سعادتها تساوي كل شيء، وقال:
“لله الأمر من قبل ومن بعد، امشي قدامي يا اخرة صبري.”
واتجهوا معًا إلى أحد المطاعم، وبعد قضاء يوم سعيد، عاد كل واحد منهما إلى منزلهما، وكل منهم يحمل في قلبه لحظات جميلة لا تُنسى. مرت الأيام وعاشوا في سعادة مع محاولة عاصم التقرب من نور، لكن حكاية مشاعرهم كانت قد بدأت تأخذ منعطفًا غير مُتوقع… وفي يوم، وصلت نور إلى المكتب الخاص بمهران لكنها لم تجده. ابتسم عاصم بابتسامة شرور، كما لو كان يُخطط لشيء ما، ودخل مكتب مهران، ورسم الجدية على وجهه وقال:
“آنسة نور، ممكن أقابلك النهارده في موضوع مهم، بس أهم حاجة مهران ميعرفش حاجة.”
نظرت له باستغراب، وتجمدت مشاعرها في تلك اللحظة، وقالت بضيق:
“نعم حضرتك، وأقابلك بصفتك إيه؟ وليه مش عايز مهران يعرف؟”
أجابها سريعًا:
“لأن فيه موضوع خطير عايز أقوله ليكي، صدقيني، أنا عايز أحميكي.”
ابتلعت ريقها بتوتر، وكأنها تحاول استيعاب الموقف، وأومأت برأسها بالموافقة، لكنها كانت تشعر بأن الظل قد بدأ يتقارب حولها. في تلك اللحظة، دلف مهران إلى المكتب واحتضن نور قائلاً:
“معلش يا قلبي، اتأخرت عليكي.”
ابتسمت له بتوتر، وهي تستشعر أن الأجواء قد تغيرت، وقالت:
“وولا يهمك يا حبيبي.”
نظر مهران إلى عاصم، وابتسم له بأمتنان، لكن في قلبه كان لديه شعور من الغموض، وقال:
“تسلم يا صاحبي أنك مسبتهاش تقعد لوحدها علشان متزهقش.”
ابتسم عاصم، تلك الابتسامة التي تحمل خلفها الكثير من الأسرار، وقال:
“احنا اخوات، مافيش ما بينا الكلام ده، ونور تبقى خطيبة أخويا وأختي.”
نظرت نور إليه بتوتر، الشكوك تتسلل إلى قلبها، وابتسمت بقلق وقالت:
“أ أنا همشي، يا حبيبي، ع ع عايز حاجة؟”
تكلم مهران باستغراب، وكأن عقله لم يدرك ما يحدث، وقال بتساؤل:
“مالك يا حبيبتي، فيه حاجة مضايقكي؟”
حركت رأسها بتوتر، بينما كانت الأفكار تدور في رأسها، وقالت:
“ل ل لا يا حبيبي أنا كويسة بس مصدعة شوية وعايزة أروح.”
نظر إلى ساعته كأنه يحاول التوفيق بين مشاعره والتزاماته، وقال:
“بس أنا لسه قدامي شوية، مش هينفع أسيب الشغل وأجي أروحك. اصبري شوية أخلص ونمشي على طول.”
تكلم عاصم بابتسامة انتصار، وكأن الأمور تسير وفق خطته، قائلاً:
“سيبها، أنا كده كده خلصت وماشي، هروحها على سكتي.”
ابتسم له مهران بأمتنان، غير مدرك أنه من الممكن أن تلعب الإحساس بين الأصدقاء بطريقة أخرى، وقال:
“تسلم يا صاحبي.”
تحركت نور مع عاصم، وقد كانت تتساءل في داخلها عن السبب وراء هذا العناء، وصعدوا السيارة، ونظر لها قائلاً:
“هنروح أي كافيه نتكلم فيه براحتنا.”
أدار السيارة وتحرك بها، وكأن المشاعر تتلاحق معهم بسرعة. وبعد وقت، ترجلوا منها ودلفوا إلى أحد الكافيهات. جلست نور على المقعد ونظرت له بقلق، وكأن قلبها ينبض بشدة، وقالت:
“ممكن بقى تقولي فيه إيه، علشان أنت من بدري موترني.”
نظر إليها نظرة مطولة، وكأنما يحاول وزن كلامه، ثم تحدث بحزن مزيف ودوافع خفية:
“نور، مهران هيأذيكي.”
نظرت له بعدم فهم، وفجأة شعرت ببرودة تسري في عروقها، وابتسمت باستغراب قائلة:
“أنت شكلك مجنون ولا فيه حاجة في دماغك؟ مين ده اللي عايز يأذيني؟ مهران!”
استقامة بجسدها، مشاعر الغضب قد بدأت تتصاعد، وقالت بغضب:
“شكلي غلط لما جيت معاك هنا، وأحسنلك متقربش مني تاني، علشان مقولش لمهران على الكلام اللي قلته عليه ده.”
تكلم سريعا، قائلاً بصوت متوتر، يمزج بين الحذر والقلق:
“اهدي بس يا نور، واقعدي اسمعي كلامي للآخر. ولو معجبكيش، تقدري تمشي وكأنك ما سمعتيش حاجه.”
جلست بغضب متصاعد، تحترق في داخلها المشاعر المتباينة، وردت بحدة:
“أخلص، خليني أروح علشان مهران ميقلقش عليا.”
شعرت في تلك اللحظة وكأن الأرض تبتعد تحت قدميها، لكن رغبتها القوية في عدم إحداث قلق لمهران جعلتها تشعر بالذنب حتى لنفسها.
أخذ نفساً عميقاً، ونظر إليها بجدية، وكأنه يحاول إيجاد الكلمات التي ستنقذها من الخطر:
“مهران مش زى ما انتي شيفاه خالص انا و مهران أصحاب وعارف كل البلاوي اللى بيعملها مستغل منصبه، بيشتغل مع المافيا وبيساعدهم يدخلوا البلد شغل مشبوه وغير المصالح اللى بيخلصها لناس كبيره اوي فى البلد وكله بحسابه، بس للاسف هو لانه شيطان استغل طيبتك وسذجتك ووهمك أنه بيحبك علشان مصلحته ويستفاد من منصب ابوكي ولما ملاقش من ابوكي رجا قرر ياخد منك اللى عايزه ويرميكي رمية الكلاب انا حاولة كتير اخليه يتراجع عن الفكره دي بس هو خلاص قرر ينفذ اللى نوي عليه علشان كده قولت ابلغك انا بحبك يا نور بجد وخايف عليكي من اللى ناوي يعمله معاكي.”
شعرت بالخوف الشديد يتسلل إلى قلبها، لكن عقلها رفض استيعاب ما يقوله، وكأن الكلمات مسدودة خلف جدران من الإنكار.
شعرت بالصدمه تعصف بها كما لو كانت رياح عاتية.
“ايه يثبت صدق كلامك ده؟”
قالت بصوت مرتعش، محاولتها إظهار القوة ولكن عينيها تكشفان عن الرعب الدفين. ابتسم بتوضيح، حتى وهو يعلم كم هو صعب تقبل الحقيقة:
“هيتصل بيكي النهارده، وهيطلب منك تيجي على مطعم (….) علشان عاملك مفاجأة. وبعد كده، هينفذ خطته.”
حركت رأسها بدموع تتلألأ في عينيها، وقالت بعدم تصديق يشبه الطعنة في الظهر:
“انت كداب! مستحيل، مهران يعمل كده. أنا متأكدة إنه بيحبني زي ما أنا بحبه.”
أومأ برأسه بتفهم، مما زاد من توترها، وكأن كل تأكيد أزمها أكثر.
“أنا حاسس بيكى ومراعي شعورك واحساسك دلوقتى والصدمه اللى اخديها من كلامي بس زى ما قولتلك مهران هيتصل بيكي ويعزمك على أساس أنه عملك مفاجأه.”
نظرت له بعيون دامعة، وحزنها يتجلى بشكل واضح، مضيفة بتوسل:
“أرجوك روحني، انا عايزه أروح.”
أومأ برأسه بالموافقة:
“حاضر، بس مش عايزك تخافي. انتي مش لوحدك أنا جنبك ومش هسمحله يأذيكي، بس عايزك تنفذي اللى هقولك عليه بالحرف الواحد ماشي.”
نظرت له بقلق شديد، وأومأت برأسها بالطاعة، رغم التضارب في مشاعرها. بعد فترة، وصلوا أسفل منزلها، وأحست بفراغ الغموض يحيط بها، ترجلت من السيارة، وألقت نظرة أخيرة على عاصم، قبل أن تتحرك إلى الداخل بقلق، وكأن قلبها يئن تحت ثقل حقيقة لم تعد قادرة على تجاهلها.
ابتسم عاصم بارتياح عندما شعر أنه نجح في إقناع نور، وأمسك هاتفه الخاص، مُجرياً اتصالاً. بعد ثوانٍ معدودات، جاء صوت مهران عبر الهاتف، يحمل في طياته مزيج من القلق والفضول:
“ايه يا عصوم، وصلت نور لبيتها؟”
رد عليه عاصم، نبرته تحمل معاني خفية، إذ أراد أن يظهر الدعم الكاذب لمهران في هذا الموقف الحساس:
“ايوه يا صاحبي، روحتها بس شكلها مضايقة اوي. ومن خبرتي في الحريم، خطيبتك زعلانه من انشغالك عنها، وحسيت من كلامها أن هى عندها مشاكل كتير و محتاجه تتكلم معاك وانت مش مديها اهتمام.”
زفر مهران بضيق وهو يشعر بأعباء العمل تتزايد عليه، قائلاً بصوت مختنق:
“اعمل ايه طيب؟ ما انت شايف الشغل فوق دماغي إزاي؟ وقضية عيلة الزويدي شاغلة كل وقتي.”
كان ضغط العمل يسيطر عليه، مما جعله غير قادر على التفكير بوضوح لإيجاد الحلول. كانت هناك لحظة صمت بينهما، ثم أضاف عاصم بحذر:
“نور بتحبك يا مهران، والستات بتحب الاهتمام، على طول ولو الراجل انشغل عنهم شويه، بيدخلوا فى حالة اكتئاب، وحالتهم بتبقى حاله.”
تنهد مهران باضطراب، وتساءل:
“طيب، قولي اعمل ايه بس.”
ارتسمت ابتسامة خبيثة على وجه عاصم، فهو كان يعرف أن الحل الذي سيفكر فيه سيفاجئ مهران:
“أنا هقولك، انا هحجزلك فى مطعم بتاع صاحبي، واتصل بيها واعزمها على عشا رومانسي. هات ليها هديه حلوة، قضوا وقت حلو مع بعض. ومش هيحصل حاجه فى الشغل، مش يوم اللى هيوقف الدنيا.”
ظل مهران صامتًا لعدة ثوانٍ، وكأن الفكر يدور في ذهنه، ثم قال بحزم:
“ماشي، احجزلي في المطعم ده، وقولي هيبقى الساعة كام علشان أبلغها.”
تنهد عاصم مرتاحاً وهو يخطط كل شيء في ذهنه:
“اوك، اسم المطعم (….) الساعه تمانيه. كلمها بقى، واياك تقول أنا اللى ساعدتك. خليها تفكر إنك أنت اللي عملت كده من نفسك علشان تسعدها. وانا هخلص وأجيلك استلم مكانك النهارده.”
بتوتر، شكر مهران عاصم:
“شكرا يا عاصم، انت أكتر من أخ ليا.”
كانت هذه الكلمات تنبع من قلبه المثقل بالهموم، فقد كان يومه مليئاً بالتوتر والضغوطات التي لا تنتهي. أغلق عاصم الخط، وابتسامة شيطانية تعلو وجهه، مرددًا في نفسه: “سأرى كيف سينجح في ذلك.” بعد فترة، كان يقف أمام مكتب مهران، ممسكًا بكوب من العصير، قائلاً:
“خد، جبتلك معايا واحد عصير علشان يساعدك على الارتخاء بعد يوم طويل متعب فى الشغل.”
أخذ مهران العصير منه، شاكراً:
“والله كنت محتاجه فعلاً، ريقي ناشف أوي.”
لم يكن يدري أن مجرد تناول العصير كان سيفتح له همسات من الخطط العاطفية التي كان يعدها. ارتشفه دفعة واحدة، ثم نهض من مقعده:
“هروح أنا بقى، زمانها مستنيه.”
أومأ عاصم برأسه بالتأكيد:
“ربنا معاك يا صاحبي.”
خرج مهران مسرعاً، بينما تابع عاصم رحيله حتى اختفى عن أنظاره، مستشعراً أن الأمور قد تتجه إلى منحى غير متوقع.
أخرج عاصم بعض الأوراق، وضعها داخل مكتب مهران وخرج بسرعة، متجهاً بسيارته إلى المطعم. كانت عينيه تتلألأ بالفكر وهو يتخيل كيف سيتسلسل هذا العشاء، كان لديه خطة مُحكَمة في رأسه. وبعد مدة قصيرة، وصل مهران بسيارته، وكانت وارفة التوتر في انتظار نور، التي اقتربت منه بصعوبة:
“ا انا جاهزة.”
كانت تعبيرات وجهها تشير إلى القلق، وقد كانت ترتدي فستانًا بسيطًا ولكن أنيقًا.
أمسك يدها المرتعشة وقبلها بحب، ثم تحرك بالسيارة نحو المطعم. كان يشعر بأن أجواء هذا المكان ستكون مختلفة تمامًا عما هو متوقع. وعندما وصلوا، ترجلوا ودلفوا إلى الداخل، حيث تفاجأ مهران بمظهر المطعم الذي كان فارغاً، لا يوجد سواهما ونادل واحد فقط. كانت الأضواء خافتة، مما أعطى المكان طابعاً رومانتيكياً، ولكنه شعر بشيء غير مريح في داخله.
نظر إلى نور وقال بعينيه التي تعكس الشغف:
“ايه رأيك في المفاجأة؟”
ردت بصعوبة:
“ح ح حلوة.”
كانت الدهشة تتجلى على وجهها، لكنها كانت تشعر بالتوتر داخل قلبها. اقترب منها، وبدأ يسألها بشغف:
“مبسوطه معايا يا نور؟”
كانت نظراته تنبثق من أعماق مشاعره، لكنها نظرت إليه بخوف، وابتلعت كلماتها بصعوبة:
“ا اه، طبعا، م م مبسوطه.”
بدأ العرق يتناثر على وجه مهران ويشعر بسخونيه تسري فى جسده اغلق عينه حتي يهدأ قليلًا لكن الوضع فاق الحدود أمسك يد نور بطريقه شهونيه وتكلم بصوت لاهث:
“نور، أنا بحبك ومحتاجك بجد.”
تلاشت الكلمات في صمت قاتل، بينما حاولت جهدها أن تبتعد، لكن قبضته كانت قوية. كانت بين خيارين: القوة أو الحرية.
اقترب منها وبدأت يده تتحرك على جسدها بحريه أكثر متحدثًا بشكل شهواني والعيون تتدفق بالشغف:
“محتاجك أوي، يا نور، حبك نار بتجري فى جسمي كل حتة فيا عايزاكي.”
تململت تحت وطأة مشاعره الجارفة، تحاول دفعه بعيداً مع دموع تتدحرج في عينيها:
“ابعد عني يا حيوان، انا بكرهك! ابعد عني يا مهران، كفايه بقى حرام عليك!”
كانت الكلمات تتعثر في حنجرتها بينما كانت تحاول أن تبعد عنه، لكن يدها المرتعشة كانت تعكس حالة الفوضى الداخلية التي خاضتها في تلك اللحظة الملتهبة.
لكن مهران لم يكن يستمع إلى صرخاتها المليئة بالخوف واليأس، بل هاجمها بشراسة، يقبلها بعنف وكأن كل ما يجري حولهم لم يكن سوى وهم. تحت صراخها المستنجد، طغت مشاعر الخوف والرغبة في الهرب، وكأن كل شيء في عالمها قد انهار. وفي تلك اللحظة المظلمة، شعر مهران بيد تطارده، وعندما نظر لأعلى، رأى عاصم، الذي اقترب كالنجم في ليلة عاصفة، يتحدث بغضب وبنبرة قاسية:
“ابعد عنها يا مهران.”
هدر مهران به بغضب وقال:
“أنت، أيه جابك أمشي يا عاصم ملكش دعوه باللى بيحصل.”
نهضت نور بسرعة، وكأن شجاعة غير متوقعة قد تملكتها في تلك اللحظة الحرجة، وقفت خلف عاصم، أمسكته بيد مرتعشة وتوسلت بعينيها التي امتلأت بالدموع:
“متسمعش كلامه، أرجوك خدني معاك، أبوس أيدك.”
كانت نبرتها مليئة بالرجاء والضعف.
ربّت عاصم على يدها بحنان:
“متخافيش يا نور، مش هسيبك معاه.”
لكن تحدث مهران بغضب أكبر:
“ابعد يا عاصم، ملكش دعوة، امشي وسيبنا لوحدنا.”
الشد العصبي كان واضحًا على وجهه.
حركت نور رأسها بدموع استغاثة، تمسكت بعاصم بقوة، وكأنها تراه الأمل الوحيد في خضم هذا الكابوس. أخرج عاصم سلاحه، قائلاً بصوت ثابت لكن مشحون بالتوتر:
“مش ماشي يا مهران، انت شكلك اتجننت.”
ها هو عاصم، وآخر أمل لدى نور. هجم مهران بغضب أعمى، أسودت عينه في تلك اللحظة، قائلاً:
“أنت اللي اتجننت، أنت بترفع سلاحك عليا. غور من وشي وملكش دعوة باللي بيحصل بيني وبينها.”
استمروا في التنازع على السلاح، وكانت دماء نور تتدفق في خيالها. حتى أُطلقت رصاصة استقرت في جسد نور، وسقطت على الأرض غارقة في دمائها، وكأنما تمزقت روحها إلى أجزاء. نظر كلاهما نحو جسدها، وركضوا إليها، وكأن الوقت قد تجمد للحظة. في تلك اللحظة الحرجة، وصلت الشرطة والإسعاف، وأخذت جسد نور، بينما اعتقلت الشرطة كلٍ من عاصم ومهران، تاركين خلفهم خيوطًا من الفوضى والألم.
أول ما استفاقت نور في سيارة الإسعاف، فتحت عينيها المرتعشتين، اعتدلت على السرير النقال، ونزعت واقي الرصاص من على جسدها. نظر لها المتواجد معها بالسيارة:
“عاصم باشا، مجهز ليكى هدوم تانيه غير دي، هنزل أنا غيري هدومك، وهنزلك عند العربيه اللى سيبها ليكي زي ما قالك؛ تروحي بيها على المطار على طول، وهو هيخلص ويحصلك على هناك، لأن لا أهل مهران هيسبوكي فى حالك، ولا اهلك هيصدقوا كل اللى حصل ده، ومهران، لما يخرج مش هيرحمك، وهينتقم منك.”
أومأت برأسها بالموافقة، وهبط الرجل من السيارة، وبدلت نور ملابسها. عاد إلى السيارة، وأوصلها إلى مكان السيارة الأخرى، حيث كان أحد رجال عاصم جاهزًا بجثة بنفس أوصاف نور. وضعوها في السيارة، واتجهوا بها إلى المشرحة. وهناك، قام عاصم بكل ما يلزم، وأثبت أن هذه كانت جثة نور بالفعل.
انكشف مهران الشرنوبي بعد أعمال الفساد التي كانت تخفيها مؤسسات عدة لفترة طويلة. وتدخل مراد لمساعدته تم فصل مهران من عمله بعد تحقيقات مكثفة أثبتت تورطه في قضايا متعددة من الاحتيال واستغلال السلطة، مما أحدث صدمة في الأوساط القانونية. وبحدث غير متوقع، علم بخبر وفاة نور، الذي ترك أثرًا عميقًا في نفسه، إذ كانت بالنسبة له رمزًا للبراءة التي فقدها في غمار الفساد. خلال الفحص الذي أُجري له، كشف الأطباء أنه كان يتعاطى منشطاً جنسياً، مما أعطى دلالة على حالة من الاضطراب النفسي الذي كان يعيش فيه نتيجة الضغوطات التي تعرض لها. وعندما تذكر مهران كيف كان عاصم يجني الأرباح من تحت الطاولة، بدأت لديه فكرة أن عاصم قد خطط للإيقاع به في شر أعماله، حيث استدرجه إلى فخ مصيدة وحبك خططته بدقة.
بعد الأحداث التي شهدها المطعم، والتي كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت نار الخلافات بين الأبطال المتصارعين، تم فصل عاصم من عمله. لم يستسلم لإخفاقاته، بل اتخذ خطوة جريئة بالسفر إلى الخارج للبحث عن بداية جديدة. قرر السفر عند نور، معتبرًا أنها الملاذ الوحيد له من عواقب أفعاله. هناك، في بلد أجنبي بعيد عن أعين المراقبة والتعقيدات، تزوجا في زفاف بسيط يخلو من مظاهر الفخامة، عاقدين العزم على بدء حياة جديدة بعيدًا عن الظلال التي لازمتهما. ومع مرور الأيام، بدأت نور تعيش على أمل مستمر بأن عاصم هو ملاك حماها من شر مهران، الذي كان دائمًا يلاحقها بأطيافه المظلمة…
******************************
باااااك
كان يستمع إليها بصدمة كبيرة، جذبت يده شعره بغضب شديد. كيف لهم أن يستغفلوه لهذه الدرجة؟ ركل الحائط بقدمه، وجلس على الأريكة بلا حول له ولا قوة بعد كل تلك الحقائق الصادمة. نظر إليها وقال بصوت مكسور:
“تعرفي أن أنا كنت بحبك بجد، عمري ما فكرت أذيكي، انتي كنتي النور اللى بينور ضلمتي، كنتي الضحكه الحلوه اللى بتكافئ بيها بعد يوم طويل ومتعب فى الشغل، بس انتي أيه؟ ولا حاجه، حبك ليا كان سراب، ضعيف، سمحتى لواحد زى ده يدخل ما بينا ويفرقنا عن بعض، وجايه دلوقتي عامله هو البطل الهيرو اللى أنقذك مني، لا يا نور، عاصم ده شيطااااان، يوم المطعم هو اللى قالي أننا نتقابل هناك، ويومها جابلي عصير وانا شربته كله، اتضح بعد كده أنه كان حاطط فيه منشط جنسي علشان أذيكي، علشان يقدر يكمل خططته، مفكرتيش لو للحظه واحده، أنا ازاى اقدر اعمل فيكى كده؟ مفكرتيش أن انا كنت بحميكي من الدنيا كلها حتى من نفسي، مفكرتيش لو لثانيه واحده بس أن يكون ده كله ملعوب من شيطان زى عاصم.”
حركت رأسها، والدموع تتساقط، وقالت:
“أنت كداب، بداري كسفتك بكلامك ده، عاصم بيحبني بجد، وأنقذني منك، ملوش مصلحه أنه يعمل كل ده علشان ينقذني من واحد ندل وجبان زيك، لو أنت كلامك صح قولي ليه فصلوك من شغلك؟ قولي ليه أهلك رموك فى الشارع وعايش فى شقه لوحدك؟ بلاش تعيش دور الملاك وانت شيطان، وحسك عينك تجيب سيرة أعظم راجل على لسانك الوسخ ده.”
نظر إليها نظرة مطولة ثم ابتسم بسخرية، قائلاً:
“عارفه، حلال فيكي تعيشي مخدوعه معاه، تستاهلي كل اللى هيحصلك، بس متبقيش تيجي تبكي بدل دموعك دم، علشان أنقذك منه، امشى يا نور، أمشي ومش عايز اشوف وشك تاني.”
نهضت من مقعدها، ونظرت إليه بكراهية شديدة، ثم تحركت باتجاه الباب. قبل أن تخرج، نظرت إليه وقالت:
“أياك تفكر تأذي عاصم يا مهران، علشان ساعتها انا اللى هقفلك، فاهم.”
ابتسم لها بسخرية، قائلاً:
“والله والقطه طلع ليها ضوافر وبتخربش، امشي يا نور، أمشي.”
نظرت إليه مطولًا ثم خرجت من الغرفة مغادرة البيت بسرعة. نظر إلى أثرها، وصرخ بغضب شديد، تتفجر مشاعره داخله. بعد ذلك، وضع رأسه بين يديه، وقال:
“حسابك تقل معايا يا عاصم، مش هرحمك.”
دخل شريف وجلَس بجواره، ربت على كتفه، وقال:
“اهدا يا مهران، يمكن ظهورها دلوقتي جه فى صالحك، علشان الحقايق كلها تظهر.”
تحدث بصوت مختنق:
“كانوا بيلعبوا بيا وانا عايش طول السنين دي بتأنيب الضمير، هو فى عيونها الملاك البرئ وانا الشيطان.”
نظر إليه شريف باستغراب، وتحدث بتساؤل:
“أنت لسه بتحبها يا مهران؟”